الاستثناء دراسة نظرية تطبيقية ،،، د. عبد الواحد الخميسي

الحلقة الرابعة:

ومن الاستثناء من الأسـباب المقدرة:
قـوله تعالى: (وما أنزلنا عليك الكتاب
إلا لتبين لهم الذي اختلفوا فيه وهدى
ورحمة ...) النحل: ٦٤.
فاللام في"لتبين" لام التعليل, والفعل
بعدها مـنـصـوب بـ"أن" مـضمرة, وأن
والـفـعـل في تأويل مـصـدر مـجـرور
باللام, وهذا الجار والمجرور مستثنى
من سبب عـام مقـدر في الكلام الـذي
قـبـل "إلا", والـتقدير: وما أنزلنا عليك
الكتاب لأي سبب من الأسباب الممكنة
إلا لأجل بيانِك لهم الذي اخـتلفوا فيه
والهدى والرحمة..
وهـنـا إشـكـال هـو: أن ظـاهـر اللـفـظ
يقتضي قصر سـبب الإنزال على بيان
ما اختلفوا فيه والـهدى والرحمة, مع
أن غير هذه الأسـباب هي سببٌ أيضا
فـي الإنـزال, كتـحـصيل المصالـح في
تلك الأوامر الـقرآنية, ودرء الـمفاســد
بتلك النواهي, والاتعاظ بتلك الأمثال
والقصص إلى غـير ذلك مـن مـقـاصـد
الشريعة, فكيف جاء الحصر على تلك
الـثلاثة الأسـباب دون بقية الأسباب?
وإزالـة هذا الإشـكال تكون بمعرفة أن
القصر في العربية: إما أن يكون قصرا
حقيقيا, لا يتجاوز الـمقصورُ المقصورَ
عليه إلى غـيره كـقولـنا: لا إله إلا الله,
فالإلـهية هنا مقصورة على الله قصرا
حقيقيا بحـيث لا تتجاوزه إلى سواه.
- وإما أن يكون قصرا إضافيا يتجاوز
الـمـقـصـورُ الـمقصورَ عـليه إلى غيره,
ويـسـمـيـه الـبلاغـيون ادِّعـائيًا, وذلك
كقولك: "ما شاعرٌ إلا المتنبي", قَصَرتَ
صفة الـشعر على الـمتنبي قصرَ ادعاءٍ
ومبالغة, مع أن غيره أشعر منه.. ومن
هـذا الـنوع من الـقصر الآية الكـريمة,
إلا أنـه لا يصح في الآية أن نقول: إن
الـقـصـر ادعـائي, بل هو قصرُ اهتمامٍ
بالـمـقـصـور عـلـيه, ولا يـدل عـلى أن
الحكم لا يـتـجـاوزه إلى غيره.. وبهذا
ينحـل الإشكال ويتضح الـمعنى. ولله
والحمد .

**وإلى لقاء آخر بإذنه تعالى☘☘