2019/07/02

مابعد كلكامش تأملات في قصيدة (صمت المقابر) للشاعر شلال عنوز بقلم الناقد ناظم ناصر القريشي


مابعد كلكامش
تأملات في قصيدة (صمت المقابر)
للشاعر شلال عنوز
بقلم الناقد ناظم ناصر القريشي
هذه القصيدة كنهر الحياة الذي فقد ارضه فتحول الى شلال من غضب فهي بداية لتشكيل ملحمة لمابعد كلكامش، ربما هو حضر متأخرا الى بلاده ليجد أن حضارته البهية التي سعى الى نبتة الخلود من اجلها، قد تحولت الى حضارة من عدم، ويجد الشر يرتدي ثوب الخير ويحكم باسمه، ويجد شعبه الذي منح العالم الحضارة والكتابة والشعر والتاريخ والمعرفة خانعا، راضيا، وقانعا بالقليل القليل من خيره المنهوب ، وقابلا لما يجري وصمته صمت المقابر بل الكثير منهم اتبعوا ما تتلو الشياطين

من الناحية الموسيقية القصيدة بعنفوانها وحضورها المبجل تطابق موسيقى ركوب الفالكيري – للموسيقار ريتشارد فاغنر – فنلاحظ ان قوة الشعر المتنامية في الكلمات المصنوعة من أثير موسيقى قاسية ومتعالية ومتمردة على النوتات التي دونتها ، حيث الكمانات بأقواسها الوترية تسحب العبارات الى الواقع بينما آلات الهواء تدفع المعنى الى السمو ولها امتدادات في التأويل، فالعبارة قصيرة ومفعمة بالحيوية ، ومختزلة ومكثفة للمعنى متتالية ومتواترة ووثابة الى غايتها وهذا ما يبتغيه الشاعر من خلال الرغبة الهائلة التي يبديها في عرض بانورامي ملحمي تشتد فيه ازمة الحياة،
تبدأ القصيدة بهذه الكلمات التمهيدية 
يتضوّر الرمل باكيا 
رعونة أقدام القطيع
ليتبعها بعد ذلك دوامات على شكل موجات موسيقية تشكل لوحات تشكيلية تبدأ اللوحة الاولى بكلمة يشهق فيقول الشاعر:
يشهق ...
حيث تنتحر مرافىء الأزمنة 
بجناية اليباس 
تحترق الفصول 
بلهب العواصف
يشتعل شغف النواعير
حينما ينضب ماء السواقي
تسرق شراهة طوفان الندم

ثم تبدأ الدوامة الثانية وبدون فاصل زمني بكلمة ممرات الحلم وتتوالى بعد ذلك تشكيل صور اخرى للوحة يحاول الشاعر استخلاص الحقيقة عارية عبر الدفق المتمرد في اشد اللحظات المأزومة والحرجة القابلة للانشطار والتشظي

ممرات الحلم
حيث لا مرور الى مناسك الأمل
في ضجيج المدن (الخشخاش)
تتجلّى (الحقيقة) خائبة 
خلف قضبان المحنة 
مأزومة تبكي وداع الصادقين
تنهزم زرافات الأماني 
مهاجرة في دروب اليأس
وتسخر المقادير من قبائل الدمى

تبدأ الدوامة الثالثة بجملة شغب الغجر يذهب الشاعر شلال عنوز بعيدا في التراجيديا حتى يجسد غسق الحياة؛ ويؤكد قدرة الموسيقى على الحضور في الكلمات، يصحبنا فحيح الافاعي وعواء الذئاب، وكأن الشاعر يتماهى مع المأساة، يروض المشهد الغير قابل للترويض ويجسد الواقع كما هو، وبذهول مرعب كوجه الميدوزا في المرأة 
شغب الغجر 
الممتلىء بفحيح الأفاعي 
وبلاهة الخرافات
ولا شىء الا عواء ذئب المأساة 
يتمترس مستبدّا في رؤاك المبعثرة
منذراً ديمومة شهقات الفواجع
أزليّة الهلاك الجمعي
هنا تموت بالتقسيط 
في لُبِّ صمت المقابر 
تقيم طقوس شعائر 
موتك المجّاني

تشكيليا صور القصيدة تشكل لوحة اشبه بلوحة انتصار الموت للفنـان الهولندي بيـتر بـريغــل الأبّ، فنجد ان الحياة محاصرة من كل الاتجاهات دون شفقة أو رحمة، وأن الخير اسير، وان القليل الذي يحاولون أن يقفوا وينهضوا بوجه هذا الخراب والفوضى العارمة يرافقهم اليأس
تكتب على شفاه الجفاف 
أبدية اللوعة
يامن تروم دخول بوابة المرايا 
من (سَمّ الخِياط( 
من أين لك النفاذ ؟
كل الطرق معصوبة العيون 
وكل المسافات يحتسيها شبح الأفول
هنا المزاد الذي أنشأته ريح (صرصر عاتية)

رغم أن القصيدة لا تقدّم وعدا بالخلاص، لكن هناك شيء مضاد انها الحقيقة التي تحترق في داخلنا وتحاول أن تلتمس الحياة وتجعلنا ننتظر عشبة كلكامش التي تلوح من بعيد خارج القصيدة، وهذا ما برع فيه الشاعر شلال عنوز 
فما زالت:
هنا المشاوير حبلى
ولم تزف (الآزفة)...

صمت المقابر
نص / شلال عنوز
يتضوّر الرمل باكيا 
رعونة أقدام القطيع 
يشهق ...
حيث تنتحر مرافىء الأزمنة 
بجناية اليباس 
تحترق الفصول 
بلهب العواصف
يشتعل شغف النواعير
حينما ينضب ماء السواقي
تسرق شراهة طوفان الندم
ممرات الحلم
حيث لا مرور الى مناسك الأمل
في ضجيج المدن (الخشخاش)
تتجلّى ( الحقيقة) خائبة 
خلف قضبان المحنة 
مأزومة تبكي وداع الصادقين
تنهزم زرافات الأماني 
مهاجرة في دروب اليأس
وتسخر المقادير من قبائل الدمى
هنا وأنت تجاور صمت المقابر 
لا تكون الا وشاية تقبّل لحد الصمت
أخدود وجع يزفر عند نهايات الهاوية
يوميء الى هزيمة تأكل مناسيب القلق
تتعرى كغانية سرقت جدائلها 
في ليلة النكول
أو كألعبان بلا رأس
يرقص في ميدان 
شغب الغجر 
الممتلىء بفحيح الأفاعي 
وبلاهة الخرافات
ولا شىء الا عواء ذئب المأساة 
يتمترس مستبدّا في رؤاك المبعثرة
منذراً ديمومة شهقات الفواجع
أزليّة الهلاك الجمعي
هنا تموت بالتقسيط 
في لُبِّ صمت المقابر 
تقيم طقوس شعائر 
موتك المجّاني
تهزج للراحلين ...
نشيج الوجع 
تكتب على شفاه الجفاف 
أبدية اللوعة
يامن تروم دخول بوابة المرايا 
من (سَمّ الخِياط( 
من أين لك النفاذ ؟
كل الطرق معصوبة العيون 
وكل المسافات يحتسيها شبح الأفول
هنا المزاد الذي أنشأته ريح (صرصر عاتية)
في جشع الصيرفة 
هنا الناكثون ..القاصطون ..المارقون
الخائنون ملح الزاد
الناكرون أبوّة الطين
هنا تزوّج الشيطان 
فولد شيطانا عجيبا
غلب بمكره
شياطين الأرض 
هنا المشاوير حبلى
ولم تزف (الآزفة)...
النجف الأشرف : 8-6- 2019

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

إعلانات