2015/09/15

المقال الثاني عن العين الثالثة بقلم د. طارق رضوان

الـــمـــقـــــال الــــــــثــــــانى عـــــــن العـــيــــن الــــثـــالثـــة
بقـــلــــم د/ طــــــارق رضـــــــوان
"العين الثالثة" للفقاريات تشكُّل مخِّي شديد الحساسية للضوء، لكنه خلافًا للعينين "الحقيقيتين" – وهما كذلك متفرعتان عن المخِّ مباشرة – يبدو للوهلة الأولى غير معني بالإبصار. يُطلِق البيولوجيون على هذا التشكُّل أسماء مختلفة من نحو الصنوبرة أو حتى "العين" الصنوبرية أو الغدة الصنوبرية epiphysis للمخ. وإن دراسة المحفوظات الأحفورية والأنواع الحالية تشير إلى أن الصنوبرة، بدءًا من الفقاريات البدائية وانتهاءً بالإنسان، إنما هي تبرعم ينشأ عن المخ عند سقف الدماغ الأوسط diencephalic ceiling. وهو، مغطًى كان بجدار الجمجمة أم لم يكن، يبقى حساسًا للضوء، مباشرة في غير الثدييات أو على نحو غير مباشر في الثدييات.
ويكون الجسم الصنوبري كبير الحجم عند صغار الحيوان والأطفال، ويبدأ بالتقهقر والتكلُّس عند الإنسان في أثناء العقد الثاني من العمر، حيث يتكون حينئذٍ من مدخرات صغيرة لكربونات وفوسفات الكلسيوم والمغنيزيوم، فيما يسمى بـ"الرمل الصنوبري" الذي يمكن مشاهدته بأشعة X.
ومع اكتشاف الباحث الأمريكي أ. ب. ليرنر عام 1959 لجزيء تطرحه الصنوبرة أُطلِقَ عليه اسم الميلاتونين Melatonin، ومع النمو التكنولوجي المطَّرد وانعقاد الفرق الدراسية من بعدُ، تمَّ قطعُ شوط جديد، خصب جدًا من حيث النتائج والمفاهيم، وبُدِئ بالإجابة على جانب من التساؤلات العلمية التي ظلت معلَّقة، وإن على حساب تنحية المعطيات القديمة التي ما تزال طيَّ كتب الحكمة القديمة، تنتظر أن يحين الوقت لكي يطَّلع عليها عددٌ من المتنوِّرين في المجتمع العلمي، فيلقوا على سرِّ الصنوبرة ضوءًا جديدًا. ومع ذلك، فالفضل يعود إلى العلماء في احتلال هذه الغدة اليوم منزلةَ العضو الوظيفي بعد أن ظلت محرومة منها طويلاً في الأوساط العلمية. فما هو دور الصنوبرة المعروف اليوم؟ وأية فائدة تجنيها المتعضِّيات من عضو حسَّاس للضوء؟ ذلك ما سنحاول الإجابة عليه، مستندين أولاً إلى مكتشفات البيولوجيا والفسيولوجيا في هذا الصدد.
فماذا تخبرنا الحكمة القديمة – الثيوصوفيا – عن "العين الثالثة"؟
العين الثالثة بحسب معطيات الحكمة القديمة
تعلِّمنا الحكمة القديمة، على اختلاف مصادرها وتنوُّع أساليب تعبيرها، أن بدء كلِّ شيء كان فيضًا للوجود عن مبدئه، وأن هذا الفيض قد تمَّ لكي تتحقق لهذا الوجود معرفةُ مبدئه، أو بالأصح لكي يعرف المبدأ ذاته في وجود صادر عن ذاته. وتعلِّمنا أيضًا أن المبدأ قد التفَّ على ذاته وانثنى في تضاعيف الوجود، في حركة صادرة عنه، فيه، ترمي إلى ظهور وعي الوعي، أي الوعي المُدرِك ذاته؛ حتى إذا تمَّ للمبدأ ذلك في أدنى العوالم وأغلظها على سلَّم المراتب الكونية، وذلك بظهور الإنسان على أرضنا هذه فيما يُعرَف بفعل الانغلاق أو الانثناء الذي ينطوي على كلِّ الممكنات المبدئية، بما فيها المبدأ ذاته، عاد الوجود من جديد ليتفتَّح عن ممكناته كلِّها، في حركة تصاعدية توَّاقة إلى الرجوع إلى المبدأ الذي انبثقت عنه، غنيَّة بكلِّ الممكنات المتفتِّحة التي تحققت في الوجود، مستغرقة في مآل الأمر في مبدئها حيث تكتمل الدائرة الكبرى، وتلتقي البداية بالنهاية، وتنتهي سلسلة الوجود الغائية العظيمة في امتلاء هو الكل في الكل... وهكذا دواليك، إلى ما لانهاية.
وتعلِّمنا الحكمة أيضًا أن الانثناء أو الانغلاق Involution يتم على "فترات عالمية" كبرى تقيم إبانها "موجة" من موجات الحياة الكونية على كوكب من الكواكب. وتقول لنا الحكمة إنه إبان كل "فترة عالمية" تتوالى على أحد الكواكب – وليكن الأرض مثلاً – سبع "ذرِّيات أمهات" Mother-Races تعبِّر عن المسار الكلِّي الذي تسلكه كلُّ بشرية في انغلاق المبدأ فيها وتفتُّحه على مستوى الوجود الأرضي، ويتضمَّن كلٌّ منها سبع "ذريات تحتية" Sub-Races، ينقسم كلٌّ منها إلى سبعة فروع.
كذلك تخبرنا تعاليم الحكمة المشرقية القديمة أن الطاقة الكونية، في انثنائها في الإنسان، تنطوي في كيانه الباطن عند قاعدة العمود الفقري على هيئة حيَّة غافية ملتفة على ذاتها تدعى كونداليني. وهذه الطاقة، انسجامًا مع حركة التطور الصاعد في الكون، تقوم لدى استيقاظها بحركة لولبية تصاعدية مقايِسة للحركة الكونية، تنطلق من قاعدة العمود الفقري باتجاه الرأس، حيث توجد الغدتان النخامية والصنوبرية، فتفتح باطن الإنسان على التحقُّق بممكناته الكونية والروحية. وبين القاعدة وهاتين الغدتين توجد ثلاثة مسالك أو قنوات للطاقة في صعودها نحو الأعلى: قناة سوشومنا sushumnā الشاقولية المركزية، التي تقابل القناة الشوكية للعمود الفقري؛ وقناتا إيدا وبِنْغلا الأثيريتان. تقع قناة إيدا idā إلى يسار سوشومنا، وقطبيَّتها مؤنثة أو سالبة؛ وفي رحلتها الصاعدة تحمل الطاقة إلى النخامة في الرأس، وتجذب طاقة برانا الحيوية السالبة من الأرض باتجاه الأعلى؛ بينما تقع قناة بِنْغلا pingalā إلى يمين سوشومنا، وقطبيَّتها مذكَّرة أو موجبة؛ وفي رحلتها النازلة تحمل الطاقة من الصنوبرة في الرأس، وتجذب طاقة برانا الموجبة من الشمس (العقل الأرفع) وتعيدها إلى الأرض.
وتتقاطع هاتان القناتان ستَّ مرات على طول العمود الفقري عند نقاط تشكِّل ما يُعرَف بمراكز الطاقة (تشاكرا chakra).[9] وأصل هذه المراكز في العمود الفقري اللطيف، ويمكننا أن نقول إنها المقابلات اللطيفة للغدد الصم وللضفائر العصبية الرئيسية في جسم الإنسان. وهذه المراكز الستة، التي تقابل ستة من مبادئ البنيان الباطن للإنسان، هي، على التوالي:
1. المركز القاعدي: يقع أسفل الجسم، بين الشرج والعضو الجنسي. يقابل الغدد الجنسية والضفيرة الحوضية؛ ويقابله البدن.
2. المركز العجزي (أو الحوضي): يقع بين السُّرة والعانة. يقابل غدة الكظر والضفيرة الخثلية؛ وتقابلُه النفسُ الحيوانية.
3. المركز السُّري: يقابل الضفيرة الشمسية؛ ويقابله الذهن الأدنى.
4. مركز القلب: يقابل الغدة الصَّعترية والضفيرة القلبية؛ ويقابله الجسم الإشراقي أو العقل.
5. مركز الحنجرة: يقابل الغدة الدرقية والضفيرة البلعومية؛ وتقابله الروح.
6. "العين الثالثة": موضوع بحثنا، التي كانت عضو البصيرة الروحية أو المشاهدة الصرف، ثم انقطعت عن العمل مع تراجع روحانية الإنسان ونزوعه المتزايد إلى المادية.[10] تقع بين الحاجبين، عند أصل الأنف. تقابل الغدتين النخامية والصنوبرية؛ ويقابلها الذهن الأعلى.
وأخيرًا يشار إلى وجود "مركز" سابع، هو المركز "التاجي"، ليس مركزًا بالمعنى الحرفي، بقدر ما هو حالة التحقق الروحي النهائي والاتحاد بالروح الكلِّي.

المراجع
- Binkley, S., The Pineal: Endocrine and Nonendocrine Function, Prentice Hall, 1988.
- Blavatsky, H.P., The Secret Doctrine: The Synthesis of Science, Religion and Philosophy (facsimile of the original 1888 edition), The Theosophy Company, Los Angeles, 1982.
- Collin, J.-P., Josephine Arendt & William A. Gern, « Le “troisième œil” », La Recherche, N° 203, octobre 1988 ; pp. 1154-1165.
- Judge, W.Q., The Ocean of Theosophy, The Theosophy Company, Los Angeles, 1987.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

إعلانات