2016/03/29

شَـاكِـر بـَيْـنَ الـعِـشْـقِ وَالانـْتِـحَـارِ بقلم محمد دحروج

شَـاكِـر بـَيْـنَ الـعِـشْـقِ وَالانـْتِـحَـارِ
p 1i
مَحْمُود مُحَمَّد شَاكِر (( 1909 ـ 1997م )) هُـوَ إِمَامُ العَرَبـِيَّةِ وَشَيْخُهَا فِي
زَمَنِهِ؛كَانَ كَالجَبَلِ الأَشَمِّ؛لاَ تُؤثـِّرُ فِيهِ العَوَاصِفُ وَلاَ يَعْبَأُ بِالأَعَاصِيرِ عَلَى شِدَّتِهَا؛وَقَـد جَاءَت قُـوَّةُ نَفْسِهِ مِنْ أُمُورٍ اجْتَمَعَتْ فَكَوَّنَتْ هَذا الإِنْسَانَ الرَّقِيقَ العَنِيفَ؛وَالرَّاهِبَ المُحَارِبَ؛وَالوَدِيعَ المُتَجَهِّمَ؛فَهُوَ الابْنُ الأَصْغَرُ لِلشَّيْخِ مُحَمَّد شَاكِر وَكِيلُ الأَزْهَرِ الشَّرِيفِ الَّذِي عُرِفَ بِمَوَاقِفِهِ الحَازِمَةِ حَتَّى أَمَامَ مَلِكِ البِلاَدِ أنَذاكَ؛وَمَوْقِفُهُ حِينَمَا أَمَرَ المَلِكَ بِإِعَادَةِ الصَّلاَةِ لأَنَّهُ كَانَ قَـد صَلَّى وَصَلَّى النَّاسُ خَلْفَ إِمَامٍ كَفَرَ عَلَنَاً حِينَمَا قَالَ فِي خُطْبَةِ الجُمْعَةِ مُدَاهِنَاً المَلِكَ:أَنْتَ الَّذِي جَاءَهُ الأَعْمَى فَمَا عَبسَ وَمَا تَوَلَّى؛يُفَضِّلُهُ عَلَى رَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ بِصَدَدِ القِصَّةِ المَعْرُوفَةِ فِي العُبُوسِ وَالتَّوَلِّي .
كَانَ هَذا هُـوَ وَالِدُ مَحْمُود شَاكِر؛وَأَمَّا شَقِيقُهُ الأَكْبَرُ فَهُوَ العَلاَّمَةُ المُحَدِّثُ
أَحْمَد مُحَمَّد شَاكِر مُحَقِّقُ المُسْنَدِ لِلإِمَامِ أَحْمَدِ بْنِ حَنْبَلٍ؛وَمُحَقِّقُ الرِّسَالَةِ لِلإِمَامِ الشَّافِعِيِّ؛وَمُحَقِّقُ سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ؛وَمُحَقِّقُ الكُتُبِ الأَدَبِيَّةِ المَعْرُوفَةِ؛وَهُـوَ الفَقِيهُ المُحَدِّثُ وَالأَدِيبُ الَّذِي طَارَ صِيتُهُ حَتَّى بَلَغَ بِلاَدَ الهِنْدَ فِي زَمَنٍ لَمْ تَكُنْ فِيهِ سُبُلُ الاتِّصَالِ كَمَا هِىَ الآنَ؛وَقَـد مَحْمُود عَلَى شَيْخِهِ وَأَخِيهِ أَحْمَدَ لِسَانَ العَرَبِ قِرَاءَةَ حِفْظٍ وَدَرْسٍ وَاسْتِيعَابٍ .
فَفِي هَذِهِ الأُسْرَةِ نَشَأَ مَحْمُود شَاكِر؛فَبِمُكْنَتِنَا أَنْ نَقُولَ أَنَّهُ نَشَأَ بَيْنَ العِلْمِ
وَالدِّينِ وَالشَّجَاعَةِ وَبُغْضِ النِّفَاقِ وَأَهْلِهِ وَعَدَمِ الصَّبْرِ عَلَى كِتْمَانِ كَلِمَةِ الحَقِّ .
وَمِنْ هَذِهِ الأُمُورِ؛أَنَّهُ لَمَّا الْتَحَقَ بِكُلِّيَّةِ الآدَابِ بِجَامِعَةِ فُؤادِ الأَوَّلِ بِالقَاهِرَةِ
كَانَ يُبَجِّلُ وَيُجِلُّ الدُّكْتُور طَه حُسَيْن؛فَأَخَذهُ مَا أَخَذهُ يَوْمَ رَأَى طَه حُسَيْنَ يَقَعُ فِي جَرِيمَتَيْنِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ وَهُوَ يُلْقِي مُحَاضَرَةً عَلَيْهِم فِي كُلِّيَّةِ الآدَابِ؛أَمَّا الأُولَى فَمُحَاوَلَتُهُ أَنْ يَهْدِمَ الشِّعْرَ العَرَبِيَّ فِي العَصْرِ الجَاهِلِيِّ تَحْتَ دَعْوَى الشَّكِّ فِي صِحَّتِهِ؛وَأَمَّا الثانِيَةُ فَهِىَ أَنَّهُ رَامَ الوُصُولَ إِلَى هَذا الأَمْرِ مِنْ خِلاَلِ نَظَرِيَّةِ المُسْتَشْرِقِ الأَعْجَمِيِّ مِرْجِلْيُوث فِي الشِّعْرِ الجَاهِلِيِّ وَمَا نَسَبَهَا لصَاحِبِهَا بَلْ أَذاعَهَا وَكَأَنَّهَا مِنَ اجْتِهَادَاتِهِ الخَاصَّةِ؛فَوَقَعَ فِي جَرِيمَةِ هَدْمِ تُرَاثِ العَرَبِ الشِّعْرِيِّ مِنْ خِلاَلِ كَلاَمٍ مُشَوَّشٍ أَسْمَوْهُ نَظَرِيَّةً؛ثـُمَّ وَقَعَ فِي جَرِيمَةِ نِسْبَةِ المَقُولَةِ إِلَى نَفْسِهِ لِيَقِفَ أَمَامَ طُلاَّبِهِ فِي زِيِّ البَاحِثِ النَّابِهِ وَمَا كَانَ يَدْرِي أَنَّ التِّلْمِيذَ مَحْمُود شَاكِر كَانَ يَنْظُرُ إِلَيْهِ وَقْتَذاكَ عَلَى أَنَّهُ كَلاَبِسِ ثوْبَى زُورٍ؛وَاخْتَلَفَ التِّلْمِيذُ مَعَ أُسْتَاذِهِ؛فَكَرِهِ الجَامِعَةَ وَأَلْقَابَهَا وَانْسَحَبَ مِنْ كُلِّيَّةِ الآدَابِ وَهُوَ لَمَّا يَزَل فِي السَّنَةِ الأُولَى؛وَمَضَى مُغَاضِبَاً حَزِينَاً يُحَاصِرُهُ الشُّعُورُ المَرِيرُ؛إِذ سَقَطَ مِنْ عَيْنِهِ أَشْهَرُ رُوَّادُ الأَدَبِ العَرَبِيِّ فِي مِصْرَ فِي ذلِكَ الوَقْتِ؛وَاعْتَزَلَ النَّاسَ لِسَنَوَاتٍ طَوِيلَةٍ جِدَّاً؛وَعَاشَ بَيْنَ جُدْرَانِ مَكْتَبَتِهِ العَامِرَةِ؛لاَ يُلْقِي بَالاً لِمَا يَدُورُ بِخَارِجِهَا؛فَقَد عَاشَ طِيلَةَ هَذِهِ السَّنَوَاتِ يُحَارَبُ حَرْبَاً عَنِيفَةً مِنْ قِبَلِ ذِكْرَى التَّدْجِيلِ وَالبُهْتَانِ وَالكَذِبِ .
وَكَانَ مِنْ هَذِهِ الأُمُورِ؛أَنـَّهُ لَمَّا تَرَكَ الجَامِعَةَ وَاعْتَزَلَ لِسَنَوَاتٍ وَسَنَوَاتٍ لاَ
يَعْرِفُ سِوَى الكُتُبِ وَالأَسْفَارِ الكِبَارِ؛خَرَجَ إِلَى الدُّنْيَا بَعْدَ ذلِكَ؛فَإِذا بِرِفَاقِ الجَامِعَةِ الجَامِعَةِ يَوْمَئِذٍ وَقَـد صَارُوا مَا بَيْنَ حَاصِلٍ عَلَى شَهَادَةِ الدُّكْتُورَاه وَحَاصِلٍ عَلَى شَهَادَةِ المَاجِسْتِيرِ؛وَحَاصِلٍ عَلَى شَهَادَةِ التَّخَرُّجِ مِنْ قِسْمِ اللُّغَةِ العَرَبِيَّةِ بِكُلِّيَّةِ الآدَابِ؛وَإِذ بِدَوْلَةِ الثقَافَةِ لاَ تَعْتَرِفُ بِشَاكِر وَلاَ بِكُلِّ مَا حَوَاهُ مِنْ عِلْمٍ وَمِنْ ثقَافَةٍ؛وَلاَ تَنْظُرُ نَظْرَةَ التَّقْدِيرِ وَالحْتِرَامِ إِلاَّ لَذوِي الشَّهَادَاتِ وَالمُؤهِّلاَتِ الجَامِعِيَّةِ؛حَتَّى وَلَوْ كَانَ صَاحِبُ الشَّهَادَةِ لاَ يَدْرِي يَمِينِهِ مِنْ يَسَارِهِ؛وَكَانَت مِحْنَةٌ نَفْسِيَّةٌ جَدِيدَةٌ؛وَمِنْ طَبِيعَةِ المِحَنِ إِذا تَوَالَت وَتَتَابَعَت أَنَّهَا تَجْعَلُ مِنَ البَسَّامِ مُتَجَهِّمَاً؛وَمِنَ الحَنُونِ رَجُلاً عَصَبِىَّ المِزَاجِ وَالمَوَاقِفِ؛
وَمِنَ الأَرِيحِيِّ الهَادِيءِ إِلَى ضَيِّقِ العَطِنِ عَنِيدٍ لاَ يُبَالِي بِالمَخَاوِفِ وَلاَ يَعْتَدُّ بِالأَهْوَالِ؛وَلاَ يَعْبَأُ إِلاَّ بِقَضِيَّتِهِ هُـوَ؛وَكَذلِكَ صَارَ شَاكِر بَعْدَ كُلِّ هَذا الَّذِي قَـد كَانَ !
הציגי רגשות נוספים

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

إعلانات