2019/02/05

أوَّل مَنْ بنى الكعبة وكم مرَّة بُنيت قبل الإسلام؟ بقلم / محمــــــــد الدكـــــــرورى

أوَّل مَنْ بنى الكعبة وكم مرَّة بُنيت قبل الإسلام؟
بقلم / محمــــــــد الدكـــــــرورى 
لا شكَّ أن الكعبة المعظَّمة بُنيت مرات، وقد اختُلِف في عدد مرات بنائها، ويتحصَّل من مجموع ما قيل في ذلك أنها بُنيت عشر مرات، منها بناء الملائكة - عليهم السلام، ومنها بناء آدم - عليه السلام، ومنها بناء أولاده، ومنها بناء العمالقة، ومنها بناء جرهم، ومنها بناء قُصَي، ومنها بناء قريش، ومنها بناء الخليل - عليه السلام، ومنها بناء عبد الله بن الزبير بن العوام الأسدي - رضي الله عنهما، ومنها بناء الحجاج بن يوسف الثقفي) وقال علي بن عبد القادر الطبري - رحمه الله: (وبُنيت الكعبة الشريفة إحدى عشرة مرة، أولها: بناء الملائكة، ثم بناء آدم هو وشِيث وصيُّ أبيه، ثم بناء إبراهيم الخليل، ثم بناء العمالقة، ثم بناء جرهم، ثم بناء قصي، ثم بناء قريش، ثم بناء ابن الزبير - رضي الله عنهما، ثم بناء الحجاج الثقفي، وفي عدِّه تجوُّز؛ لأنه لم يَبْنِ إلاَّ الجهة الشمالية، ثم بناء السلطان مراد خان) والقول الرَّاجح في بناء الكعبة قبل الإسلام هو أن الكعبة بُنيت قبل الإسلام أربع 
مرات فقط وهي على النحو التالي:

بناء إبراهيم - عليه السلام، وهو أول بناء للكعبة المشرفة وبناء العمالقة وبناء جُرْهُم.
وبناء قريش والتَّحقيق العِلمي للرَّاجح من بناء الكعبة:
أولاً: بناء إبراهيم - عليه السلام: وكان سبب البناء: لقد بنى إبراهيم - عليه السلام - الكعبة المشرفة بأمرٍ من الله تعالى، وكان بناؤه من الحجارة، وجعل ارتفاعها: (9 أذرع - أي: 5ر4م)، وطولها من الجهة الشرقية: (32 ذراعاً - أي: 16م)، ومن الجهة الغربية: (31 ذراعاً - أي: 5ر15م)، ومن الجهة الجنوبية: (20 ذراعاً - أي: 10م)، ومن الجهة الشمالية: (22 ذراعاً - أي: 11م)، ولم يجعل للكعبة سقفاً، وفتح لها بابين ملاصقين بالأرض بدون مصراع يُغلق، ونزل جبريل - عليه السلام - بالحجر الأسود، فوضعه إبراهيم - عليه السلام - في مكانه ومن خلال استقراء نصوص الكتاب والسنة نجد أنها تُشير إلى أنَّ إبراهيم - عليه السلام - هو أول مَنْ قام ببناء الكعبة المشرفة .
ويقول تعالى: ﴿ وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنْ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ 
السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾ [البقرة:127].

وقال ابن كثير - رحمه الله: (فإن ظاهر القرآن يقتضي: أن إبراهيم أول مَنْ بناه مبتدئاً، وأول مَنْ أسَّسه، وكانت بقعته معظمة قبل ذلك، معتنىً بها، مشرَّفة في سائر الأعصار والأوقات) ويقول سبحانه: ﴿ وَإِذْ بَوَّأْنَا لإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ ﴾وقال ابن كثير - رحمه الله: (ولم يَجِئْ في خبر صحيح عن معصوم، أن البيت كان مبنياً قبل الخليل - عليه السلام، ومَنْ تمسَّك في هذا بقوله: ﴿ مَكَانَ الْبَيْتِ ﴾ فليس بناهض ولا ظاهر؛ لأن المراد مكانه المُقَدَّر في علم الله، المُقَرَّر في قدرته، المُعَظَّم عند الأنبياء موضعه من لدن آدم إلى زمان إبراهيم - عليه السلام) وما جاء عن ابن عباس - رضي الله عنهما - مرفوعاً، والشاهد منه: قول إبراهيم - عليه السلام: «فإن اللَّهَ أَمَرَنِي أَنْ أَبْنِيَ هَا هُنَا بَيْتًا - وَأَشَارَ إلى أَكَمَةٍ مُرْتَفِعَةٍ على ما حَوْلَهَا - قال: فَعِنْدَ ذلك رَفَعَا الْقَوَاعِدَ من الْبَيْتِ، فَجَعَلَ إِسْمَاعِيلُ يَأْتِي بِالْحِجَارَةِ وَإِبْرَاهِيمُ يَبْنِي، حتى إذا ارْتَفَعَ الْبِنَاءُ جاء بهذا الْحَجَرِ فَوَضَعَهُ له، فَقَامَ عليه وهو يَبْنِي وَإِسْمَاعِيلُ يُنَاوِلُهُ الْحِجَارَةَ، وَهُمَا يَقُولاَنِ: ﴿ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾ .

وأما عن بناء العمالقة، وجُرْهُم :
فقد ذُكِرَ هذا البناء بروايات وطُرق مُتعدِّدة وصحيحة، ومنها:
ما جاء عن عليِّ بن أبي طالب - رضي الله عنه، قال: (فمرَّ عليه الدهرُ فانهدم فبنته العمالقةُ، قال: فمرَّ عليه الدهرُ فانهدم فبنته جُرْهُمُ، فمر عليه الدهرُ فبنته قريشٌ) .
وما جاء أيضاً عن عليِّ بن أبي طالب - رضي الله عنه، قال - بعد أن ذَكَرَ بناءَ إبراهيم - عليه السلام - للكعبة: (ثم انهدم فبنته العمالقةُ، ثم انهدم فبنته قبيلةٌ من جرهم، ثم انهدم فبنته قريشُ) وهذا الأمر ليس محلاً للاجتهاد والنظر، فلا يمكن أن يقوله عليٌّ - رضي الله عنه - دون أن يكون سَمِعَه من رسول الله صلى الله عليه وسلم..

وأما عن بناء قريش:
فقد ذكرت كتب التاريخ: أنَّ امرأةً ذهبت تُجمِّر الكعبة، فطارت من مجمرتها شرارة، فاحترقت كِسوة الكعبة، ثم جاء سيل عظيم فدخل الكعبة، وصدَّع جدرانها، ففزعت قريش من ذلك، وعزمت على تجديد بناء الكعبة المشرفة، وكان ذلك السنة الخامسة قبل البعثة النبوية، واشترطوا: ألاَّ يُدخِلوا في بنائها مالاً حراماً، فقصرت بهم النفقة الطيبة عن إكمال البناء، فأنقصوا من جهة الحِجْر ستة أذرع وشبراً (أي: 23ر3م) أي: حوالي ثلاثة أمتار وربع[24]، وأداروا عليه جداراً قصيراً؛ ليطوف الناس من ورائه، وأحدثوا بعض التغيرات فيها، فزادوا ارتفاعها إلى: (18 ذراعاً - أي: 9م)، وسَقَفوها، ولم تكن من قبل مسقوفة، وجعلوا لها ميزاباً من خشب، وسدُّوا الباب الغربي، ورفعوا الباب الشرقي عن مستوى الأرض، حتى يُدخِلوا فيها مَنْ شاءوا، ويمنعوا مَنْ أرادوا، وقد شاركهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا البناء، فكان يحمل معهم الحجارة.

ولمَّا انتهى البناء، وأرادوا وضع الحجر الأسود، وقع بينهم نزاع شديد، كلُّ قبيلة تُريد أن تحظى بشرف وضْعِ الحَجَر في مكانه، ورضُوا بأن يَحْكُم فيهم أوَّلُ داخل إلى البيت، وكان الداخل هو النبي صلى الله عليه وسلم، فأخذ الحَجَرَ ووضَعَه على رداء، وأمَرَ كلَّ قبيلة أن تأخذ بطرفٍ منه فرفعوه، وقام صلى الله عليه وسلم بوَضْعِه مكانَه، وأنهى بهذه الحكمة السامية نِزاعاً كاد أن يُمزِّق وِحدتهم، ويودي بحياة عدد كبير منهم .

‏‏‏

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

إعلانات