2015/08/30

نجيب محفوظ ... بلزاك الرواية العربية للأديب مجدي الروميسي

نجيب محفوظ.. بلزاك الرواية العربية (بروفايل)
تسع سنوات كاملة تفصلنا عن الغياب الجسدي لنجيب محفوظ (1911- 2006)، الذي عاش عاشقًا لمصريته ملتصقا بحارتها الشعبية وزقاقها الضيق، معبرًا عنهما في شكل أدبي بديع لفت انتباه العالم إلى الرواية العربية، فكان أن تُرجمت أعماله إلى معظم اللغات العالمية قبل أن يحصل على جائزة نوبل في العام 1988.
نقل لنا صاحب «واحد من الناس» و«ملحمة الحرافيش» و«الثلاثية » و«زقاق المدق » و«خان الخليلي»، حياة الطبقة المتوسطة التي نال منها الزمن بضرباته خلال أكثر من سبعين عاما شهدت العديد من التحولات والتقلبات التي صاحبت فترة الاستعمار البريطاني، وحربين عالميتين، ثم ثورة الضباط الأحرار وإسقاط الملكية في يوليو 1952، إلى جانب حروب خاضتها مصر مع العدو الصهيوني دفاعا عن الوجود العربي في أربعينيات وخمسينيات وستينيات وسبعينيات القرن الماضي، في خلال ذلك عبر محفوظ عن مشكلات الأسر البسيطة وهمومها في الحياة، رصد أحلامها وتطلعاتها في المستقبل إلى جانب قلقها وتوجهاتها إزاء القضايا المصرية، كما سجل أدبه مدى الترابط القوي الذي كان يغلف تلك الأسر البسيطة رغم ما تعانيه من فقر مدقع، ثم رصد الصعود الأول للبرجوازية وما أحدثته في المجتمع المصري من تهافت وتدهور طبقي وأخلاقي.
محفوظ.. الإنسان والأديب
الأدباء المجايلون لمحفوظ كتبوا عن العديد من مآثره وحياته وصفاته، معتبرين سيرته الشخصية أهم وأبدع رواياته، وكيف أنه كان شخصا رقيقا، متواضعا، منفتحا، واقعيا، جسّد في حياته وأعماله قيم التقدّم والاستنارة والعدالة والتسامح الديني، إلى جانب خفة ظلّه وضحكاته وتشجيعه الدائم للآخرين.
وعلى مستوى اللغة استطاع نجيب محفوظ نحت اللغة العربية القديمة المثقلة بالبلاغة ليصنع منها لغة روائية رائقة، لم يُغرق في البلاغة، وفي الوقت ذاته لم يُسطّح العبارات، لكنه كان رائد السهل الممتنع، فاستطاع مخاطبة الجميع على مختلف ثقافاتهم وأعمارهم وانتماءاتهم.
من أعماله الشهيرة القاهرة الجديدة، والسراب، واللص والكلاب ، والسمان والخريف، والطريق، والشحاذ، والمرايا، والحب تحت المطر، والكرنك، وواحد من الناس، وحكايات حارتنا، وقلب الليل، وحضرة المحترم، والمذنبون، وملحمة الحرافيش، وعصر الحب، وأفراح القبة، ووكالة البلح، وليالي ألف ليلة، والباقي من الزمن ساعة، وأمام العرش، ورحلة ابن فطومة، ويوم مقتل الزعيم، وحديث الصباح والمساء، وقشتمر، وبيت سيئ السمعة، والشيطان يعظ، وأحلام فترة النقاهة.
محفوظ استحق عن جدارة لقب أبوالرواية العربية ورائدها، لأنه أول من خرج من الرواية الرومانسية إلى الواقعية، استطاع أن يختصر في رواياته مراحل الرواية الأوروبية، وأولها مرحلة القصة التاريخية في «رادوبيس» و«كفاح طيبة» و«عبث الأقدار»، كما جسد مرحلة القصة الواقعية في «الثلاثية» و«خان الخليلي»، و«زقاق المدق»، و«بداية ونهاية».
الرواية والتغير الاجتماعي
أما مرحلة التجريب الشكلي والتمرّد المضموني التي رافقت فن القرن العشرين بأوروبا، فجسدها محفوظ في «اللص والكلاب» و«ثرثرة فوق النيل»، اللتين تحملان رمزية تهدف إلى النقد الاجتماعي والسياسي غير المباشر، وتحدث فيهما عن الدولة البوليسية والثراء غير الشرعي المواكب لاستغلال المنصب، لقد كتب في كل مرحلة مواكبا للتغيّر الاجتماعي والسياسي الذي شهدته مصر.
إن أدب نجيب محفوظ يصعب فصله عنه وعن التراجيديا الإنسانية في مصر، حاول جاهدًا إلغاء العلاقة المباشرة بين الحالة والتعبير عنها، جهد في التعبير عن الواقع بالرمز والحس والصورة والسياق والتفلت وسؤال الجدوى، لقد ألغى المسافة ولم يلغ الحالة، ظل لصيقا بالواقع مشغولا بأبناء الطبقة الوسطى، وسّع قاموسه الأدبي، وانخرط في فلسفة الوجود والحياة والمصير.
لقد كانت روايات نجيب محفوظ تلح على مشاكل أخلاقية من بينها قضايا الفساد واللاعدل، إلى جانب الرغبات الأنانية التافهة المضحية بقيم الحق والعدل والخير والجمال.
وداعا نجيب الرواية
30 أغسطس 2006، كان شاهدًا على وفاة نجيب محفوظ داخل حجرة صغيرة بمستشفى الشرطة بالعجوزة، إثر قرحة نازفة استمرت عشرين يومًا من دخوله المستشفى عقب إصابته بأزمة في الرئة والكليتين، وكان قبلها بشهر قد دخل المستشفى لإصابته بجرح غائر في الرأس إثر سقوطه في الشارع، حيث كان يمارس رياضة المشي التي أتاحت له فرصة التعرف على ما يتناقله العامة من أخبار وهموم وحكايات.
في ذكرى محفوظ يجب أن نتذكر مقولة الكاتب الروسي أنطون تشيخوف إن «المبدع يموت نصف موت، لأن روحه الحيّة تظلّ من بعده في أعماله»، إذًا لم يمت كاتب «الثلاثية» و«واحد من الناس» و«ثرثرة فوق النيل»، لم يمت بلزاك الرواية العربية ومؤسس مجدها وعبقريتها الكونية، سيبقى اسمه محفوظًا في تاريخ الأدبين العربي والعالمي، ومحفوظًا أيضًا من النسيان.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

إعلانات