حوار فكري لتغيير الواقع
الجزء الأول : واقع التغيير
بقلم:(سياج الدين )
نضال موسى أبو شارب
لاحظ أبو ميزر إن إبنه في الفترة اﻷخيرة أصبح شارد الذهن ، غارقا في التفكير ، وزاد إهتمامه باﻹطلاع على كتب التاريخ ونهضة اﻷمم ، متناسياً صغر سنه ،تاركاً ﻹهتمامات أقرانه الباحثين عما يشغل أوقاتهم باللعب والمرح ، ومما زاد قلق أبو ميزر انعزال إبنه عمن هم في سنه وقلة خروجه .
فتوجه بالسؤال لزوجته أم ميزر.....قائلا :- هل لاحظتِ ما طرأ على ابننا في الفترة الأخيرة فقد صار شارداً بذهنه غارقا بتفكيره منعزلاً عن محيطه؟؟!!
أم ميزر :- لاحظت ذلك وهو يقول أنه يبحث عن البدائل المثلى !! ويقول إن نظامنا فاسد وواقعنا يجب أن يتم تغييره وكذلك نظامنا حيث يقول إن هناك أنظمة أفضل منه.!!!
وهذا حال من هم في سنه يقولون ما لا يدركون ويحلمون بمايستحيل تحقيقه.
تهللت أسارير أبو ميزر وقال :- لقد كبر إبني وأصبح حال واقعنا يشغل تفكيره.
أم ميزر :- غريب أمرك ، كيف تكون فرحاً بحال إبنك ألاتخاف من ضياعه منا إن واصل تفكيره هذا..؟!
أبو ميزر :- ولماذا لاأفرح ياعزيزتي ؟..ألاترين أنه صار مدركاً للواقع المعاش ومايعانيه الناس من فساده ، بل إن إبننا تجاوز مرحلة اﻹحساس واﻹدراك لهذا الواقع إلى محاولة تغييره..
صمت أبو ميزر برهة ثم أستطرد قائلا :-
بل من واجبي دعمه وإرشاده للطرق الصحيحة في مراحل بحثه اﻷولى حتى لاتتجاذبه بعض اﻷطراف التى تحمل فكراً منحرفاً وتبعده عن جادة الصواب.
"وأثناء ذلك ظهر الإبن المعني بحوار أبو وأم ميزر "نضال" "
نضال :- السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أبو ميزر :- وعليك السلام ورحمة الله ، هل أنت خارج يا نضال؟
نضال :- نعم ياأبي سأذهب إلى المكتبة العامة .
قالت اﻷم هامسا ﻷبي ميزر :- ألا ترى يا أبا ميزر أنه على عجل دائما ، وقد مر وقت ليس بقليل على آخر جلسة له معنا؟!
وهنا رفع أبو ميزر من صوته قليلاً حتى يسترعي إنتباه أبنه قبل خروجه قائلا :-
ياأم ميزر إنّ الله سبحانه يقول:{هوالذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولوكره المشركون}
بعث الله رسوله عليه الصلاة والسلام في مكة بشيرا ونذيرا للناس كافة ، وبدأ دعوته سرا وآمن به المقربون له وظل اﻷمر كذلك مدة ثلاث سنوات حتى أمره الله بالجهر فى دعوته -{فأصدع بماتؤمر} فصار يدعو أهل مكة {وأنذر عشيرتك اﻷقربين }
أم ميزر :- ياأبا ميزر هو ذاهب للمكتبة وأنت تحدثنا عن سيرة الرسول الكريم .....
تابع أبو ميزر حديثه فقال :- ولكن أهل مكة قاوموه ، بل وقاطعوه وأذوه أشد اﻷذى ، مما أضطر المسلمين للهجرة من شدة بطشهم فكانت هجرة الحبشة وبعدها الهجرة للمدينة المنورة..
كانت أم ميزر تستمع مستغربا وتقول في نفسها أحدثه عن إبننا وهو يتحدث عن سيرة المصطفى عليه السلام.
سكت أبو ميزر قليلا ونظر ﻷم ميزر ، فنطق الإبن المستمع بإنصات نضال بقوله :- أكمل يا أبي..
فتابع أبو ميزر قائلا :- أجل يابني لقد تعرض الرسول في بداية دعوته للأذى وخاصة من قرابته ولكن ظل مع من آمن به صامدا، واستمر يدعو بين ساخراً و مستهزاً وبين من ينكل بهم حتى وفد إليه رجال من اﻷوس ثم بيعة العقبة اﻷولى وتلتها الثانية وبعدها كانت الهجرة للمدينة بعد صراع مع أهله وقرابته ومكوثه بمكة ثلاثة عشر سنة.
نضال :- وفي المدينة أقام الرسول عليه الصلاة والسلام الدولة اﻹسلامية وبدأ مرحلة جديدة بجهاد الكفار وإرسال الرسل للملوك لنشر الدين الإسلامي ..أليس كذلك ياأبي؟
فشاركتهم أم ميزر الحديث فقالت :- نعم هذا صحيح وكان هذا الدين سبباً في إسقاط إمبراطورية الفرس والروم التى حكمت العرب آمداً طويلاً ، وأصبحت الدولة اﻹسلامية هي الدولة اﻷولى في العالم طيلة ثلاثة عشر قرناًمن الزمن ، ووصلت رأية الفتوح اﻹسلامية الصين شرقا حتى المحيط اﻷطلسي غربا ومن عمق فرنسا حتى أواسط أفريقيا جنوباً..
أبو ميزر :- هذا صحيح ، وصار المسلمون قادة للدنيا حملوا لواء راية اﻹسلام فنشروها في أصقاع الدنيا ، ونظرا لسماحة اﻹسلام انصهر سكان البلاد المفتوحة بالمسلمين الفاتحين في بوتقة واحدة ، ولم يكن لعربي فضل على أعجمي إلا بالتقوى والعمل الصالح
نضال :- وبماذا تفسر فساد واقعنا وانحدارنا عن ذلك المركز اﻷول الذي وصل إليه المسلمون قبلنا ياأبي؟؟
"" وكان هذا السؤال من نضال هو مايريده أبو ميزر حيث قام بلفت إنتباه أبنه منذ البداية لهذه الجزية ، حيث تكلم عن الرسالة من بدايتها وحتى قيام قادة المسلمين بنشر هذا الدين وبقاء دولة اﻹسلام منارة للعالم.""
فتبسم أبو ميزر بعد وصوله لمقصده وقال:- يابني إن المسلمين نسوا وتناسوا إنّ سبب عزهم هو اﻹسلام وإتباع الشريعة الحقة التى وضعها الله لخلقه ، وتركهم للجهاد والرباط في سبيل الله ، فكان من الطبيعي أن ينحدروا ويتأخروا عن الركب بل وأن تصبح بعض دول اﻹسلام مطية لغير المسلمين، فكانت النتيجة المحتمة هي سيطرة الكافرين على ديار المسلمين بعد أن قوضوا أركانها وأسقطوا دولة الخلافة منتصف القرن الرابع عشر الهجري.
نضال :- وبذلك يعود اﻹسلام ليقود العالم من جديد ويهديهم سبل الرشاد.
أم ميزر :- ماهو السبب وراء السعي للتغيير؟؟
أبو ميزر :- هذه طبيعة اﻹنسان ، فهو مهما كان واقعه الذي يعيشه تجده يبحث عن التغيير فيه ، فمثلا لوكان واقع حياته حسنا ، سعى ليكون أحسن ، أما أن كان سيئا كان دافعه أقوى للتغيير .
فكان رد أم ميزر عفوياً :- لماذا لايغير الله حالنا ويقيم شرعه فينا؟؟!!
فردّ أبو ميزر :-ياأم ميزر {إن الله لايغير مابقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم} فالتغيير يجب أن يكون فينا وبإرادتنا أولا ، وأن نسعى ﻹصلاح نفوسنا حتى يغيير الله من حالنا.
كان نضال يستمع للحوار بإهتمام شديد فقال ﻷبيه :- إذا تتفق معي أن التغيير ضروري ياوالدي ، أليس كذلك؟
فجاءه الجواب سريعاً من أبو ميزر :- نعم يابني ، فالتغيير أساس الحياة وضرورة ملحة فيها ، فما الحياة إلا مجموعة متغيرات وذلك حتى تستمر فلو كانت جامدة ساكنة لهلكنا وهلك كل من فيها ، فماالحياة إلا مظهرا من مظاهر الحركة والنمو ولو كانت عكس ذلك لخمدت ، والتغير السليم يجلب بين طياته التطور والرقى لﻹنسان ، لذلك وجب على كل المجتمعات واﻷفراد التفكير بالتغيير والعمل له ، وإلا إندثرت تلك المجتمعات بإفرادها ، فإستسلامنا للواقع والعيش فيه مكرهين من أخطر آفات الفكر وأكبر مصيبة للبشرية واﻷجيال القادمة .
أم ميزر :- هذا يعني إنّ اﻹنسان لايفكر بالتغيير ويسعى إليه إلا إذا كان تحت وطأة واقع سيئ ونظام فاسد ، فيبحث عن خيارات أخرى تصلح من واقعه..
أبوميزر :- هذا صحيح ، فكل من يسعى للتغيير يمر بمرحلة اﻹحساس لواقعه السيئ وإدراك فساده ، فإدراك الواقع واﻹحساس به شرط أساسي للعملية الفكرية التى تقودنا للتغيير، ويستحيل على اﻹنسان أن يدرك أويفهم واقع شئ مالم يقع إحساسه على ذلك الشئ المراد أو على أثر من آثاره.
نضال :- والفساد واقع له أثار محسوسة جدا ، فأن أحس بها اﻹنسان وحصل له اﻹدراك لواقعه الفاسد ، سيبدأ في عملية التفكير في كيفية تغييره.
أم ميزر :- وهل من السهل تغيير هذا الواقع الفاسد ؟؟!!
ابو ميزر:- بالرغم من الرغبة في التغيير لدي معظم الناس وتوقهم لذلك ، فهناك موانع تقف حائلا دون ذلك ، فكل القوانين التى وضعها النظام الفاسد ستقمع رغبة هؤلاء وتحطم رغباتهم وتجمدها تماما، ولهذا كان التغيير ولازال عملا صعبا ويتطلب جهود مضنية وأفكار ضخمة وجبارة وتضحيات كبيرة ، ولذا لا يستطيعه إلا اﻷشداء اﻷقوياء أصحاب العزائم والهمم ،والفكر الوقاد والنظرة الثاقبة .
نضال :- ومن يقف ضد رغبة الناس في التغيير وإصلاح الواقع الفاسد ؟ وما غاياتهم؟
أبو ميزر :- هم كثر يابني ، فهناك المحافظون والمتحكمون بأعناق الناس وأرزاقهم ولا يستسيغه الخاملون والكسالى وضعاف الهمة ، وكل من سيضره التغيير سيحارب أصحابه حربا لاهوادة فيها.
أم ميزر:- إذا فالرغبة في التغيير تنبع من قرارة النفس وتدفع إليها وقائع الحياة ؟؟
ابو ميزر :- أجل ، إلا أن التخطيط له ليس بإستطاعة كل من فكر به ، فهناك أشخاص جعلت منهم صفاتهم قادة ، فصاروا قادة فكريين ينشرون أفكارهم للتغيير وسبل تحقيقها ، فصار ينجذب إليهم كل من لديه نية التغيير.
نضال :- كلامك هذا يدفعني للسؤال هل مجرد الوعي على الفساد والرغبة في التغيير كافية للتغيير؟؟
أبو ميزر :- وعي اﻷنسان لفساد واقعه مهم ، ولكن ليس كافيا لحصول التغيير، فحتى يحصل له التغيير عليه أن يعي أن هناك واقعا بديلا لهذا الواقع الفاسد ، وهذا يعتبر الشق الثاني من الوعي ، فالشق اﻷول من الوعي هو على الواقع الفاسد ومن ثم اﻹحساس بالفساد ، وذلك ليكون العمل للتغيير مقصودا وسائر لغاية محددة وليس مجرد عمل عشوائي وبلا قصد.
نضال :- هل تقصد أنه هناك عوامل يرتكز عليها العمل للتغيير؟؟
أبو ميزر :- هذا مؤكد، وسأذكر لك أهمها:-
1- إدراك أن العمل للتغيير عمل صعب وشاق ولا يسعى إليه إلا ذوي الهمة والعزيمة ، سواء كانوا أمما أو شعوبا أو أفراد.
2- واﻹدراك أن العمل للتغيير ليس لمجرد التغيير بل هو لغاية محددة واضحة المعالم ، فليس التغيير ﻷي واقع جديد ، بل لواقع جديد مدروس ومتصور سابقا.
3- اﻹدراك أن العمل للتغيير يجب أن يتم عن طريق واضح ومخطط محدد الخطوات ، وليس تغييرا بأي طريقة كانت ،وذلك يضمن عدم الضياع أثناء السير وعدم الوصول الخاطئ كما يحدث مع الكثيرين فيكون هذا سبب فشل تغيير واقعهم ويتحول إلى أسوء مما كان عليه.
4- إدرك أن الجدية في التفكير وفي العمل أمى حتمي ﻻبد منه لنجاح القصد وتحقيق الغاية المنشودة منه.
نضال :- جزاك الله خيراً ياوالدي فحديثك معي جعلني أفكر بطريقة مختلفة عما كنت أفكر سابقا فلقد أفهمتني اﻷن واقع التغيير وآسسه بوقت قصير وبطريقة لم أدركها حتى أثناء قراءتي للكتب.
وهنا فهمت أم ميزر مقصود أبوميزر من هذا الحوار مع إبنه فابتسمت ووقفت قائلة :-
لقد أدركنا الوقت وحان موعد صلاة المغرب ،وسنكمل حديثنا إن شاءالله بعد الصلاة.
أبوميزر :- أما الآن أستودعكم الله ،هيا يانضال للصلاة...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق