2015/12/25

الطريق الى الله تعالي.عاصم قابيل

لطريق إلى الله تعالى...31
بقلم عصام قابيل
*******************
ومن ظواهر الهداية أيضاً أن الكافرين اليوم: يعتبرون كل كلام غير كلامهم , لا يقوم على علم, بل تظهر منه رائحة الخرافة, أوفيه معنى الأسطورة. إن التشابه الكامل بين الموقفين في القديم والحديث دليل على وحدة النفس البشرية, وإن كان المحدثون أكثر فلسفة وأزهى زخرفا, كما أن فيه دليل على نوع من الهداية إلى الضلال, كهداية المهتدين إلى الهدى , (وذلد) ظهور اسم الله الهادي في عالم الإنسان قال تعالى: "وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ" البلد : 10 "إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا" الإنسان : 3
إن الكافر يرى أن بإمكانه أن يعلل كل ظاهرة من ظواهر هذا الكون بدون الله والذي لا يستطيع أن يعلله الآن يتصور أن باستطاعته أن يعلله في المستقبل, وصرف النظر عن كون هذه التعليلات علمية عقلانية أو ظنية حدسية, فإنه مقتنع بها ولا يقبل أي تفسير آخر ولو كان علميا وعقليا, لأن كثرة الاحتمالات عنده لا تبطل ظهور الممكن الواحد, وتعدد مظاهر الوجود يقنعه بأي تفسير يتوهمه كأثر عن استشعاره لذاته المتصفة بالعلم والقدرة والإرادة والحياة, فهو يخلع هذه المعاني على الكون متناسيا أن الطبيعة بمجموعها ليس لها علم ولا إرادة وقدرة وحياة . إنه يقول عن كل شيء يراه: إنه ممكن ونحن إن لم نقل بإمكانه نكفر (نخرج عن الإسلام) ولكن نقول بذلك: إذا وجد علم الله وإرادته وقدرته. أما بغير علم ولا إرادة فلا إن الله ظهر كثيرا وبطن كثيرا, ظهوره الكثير جعل المؤمنين به كأنهم يعاينون كشف الحجاب ما ازددت يقينا وبطونه الكثير جعل الكافرين على مثل اليقين بأن الأولين واهمون, ولا يمكن في حكم العقل إلا أن يكون الله ظاهرا وباطنا بآن واحد: ظاهرا للجنان, وخفيا عن العيان؛ يظهر للعيان خلقه , وخلقه يدل الجنان عليه لذلك قال الله تعالى: "وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ" التغابن : 11
ليس في خفاء الله حجة لكافر على كفر, وقد رأينا هذا في مقدمة أبحاثنا, وفي ظهوره الحجة الكاملة على الإيمان, وإذا كان في ضلال الضالين نوع هداية إلى الضلال, إذا حرموا أنفسهم الرؤية الصافية فشاهدوا الأمور معكوسة, فإن في هداية المهتدين المظهر الكامل للهداية التامة. ولكن كما أن في هداية المهتدين دليلا على ظاهرة الهداية, فإن في هداية الضالين إلى طرق الضلال دليلا عليها كما سنرى بعد, والكل يدل على أن هنالك ذاتا هادية. إن آيات الله التي تدل عليه واضحة جدا في كل شيء, ولكن الاهتداء إليها يحتاج إلى إنسانية أكثر, وإلى أخلاقية رفيعة قال تعالى: "سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِن يَرَوْاْ كُلَّ آيَةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الرُّشْدِ لاَ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَكَانُواْ عَنْهَا غَافِلِينَ" الأعراف : 146
إنها الحقيقة التي لا ترد: الكبر والغفلة عن آيات الله هما طريق الكفر, والخضوع للحق وقبوله واليقظة على آيات الله هي طريق الإيمان. فبمزيد من أخلاق الإنسان, وبمزيد من التأمل, وبمزيد من طلب الحق, يصل الإنسان إلى الله. فإذا قيل: إن المرجع في الهداية إرادة الله.. قال تعالى: "وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا" السجدة : 13 تقول: إن المرجع في كل شيء إرادة الله , وليس في ذلك عذر لمعتذر أو متعلل أو متهرب أو متحلل من المسؤولية لقد قال الله: "إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ* لِمَن شَاء مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ" التكوير : 27-28 فقال أبو جهل: ذلك إلينا إن شئت . فأنزل الله تتمة: "وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاء اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ" التكوير : 29 وهذا يعني أن مشيئة الله محيطة بكل شيء , ولكن لا يعني هذا إلغاء اختيار الإنسان ومشيئته.
قال تعالى: "يَهْدِي بِهِ اللّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ" المائدة : 16
"ضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفَاسِقِينَ" البقرة : 26
إن الله إذا أراد أن يضل إنسانا ظهر له في الوجود كله باسم المضل, حتى لم ير في آيات الله في كل خلقه ما يدله عليه: وكذلك في آياته في القرآن حتى لا يرى فيها آية تدله عليه, وليس في ذلك إجبار من الله له؛ بل ذلك لأن الإنسان ذاته اختار الطريق الآخر كبرا وظلما, فصار يرى الآيات معكوسة, فما فيه حجة على الإيمان صار يعتبره حجة له على الكفر, وذلك كأثر من إحاطة هداية الله في الطريقين, والذي يتحمل المسؤولية هو الإنسان ذاته.
‫#‏عصام_قابيل‬

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

إعلانات