2016/02/27

اللغة .. كيف تحيا.. ومتى تموت؟ يكتبه الاستاذ مجدي الروميسي

اللغة .. كيف تحيا.. ومتى تموت؟
المشهد اللغوى عبر التاريخ البشرى يؤكد حقيقة تاريخية، هى أن اللغة ترتبط بأهلها قوة وضعفاً، فقوة اللغة من قوة أهلها، وضعفها من ضعف أهلها، ويقع بين اللغات ما يقع بين البشر من تصارع وحروب، ويكون نتاج ذلك إما السيطرة، وإما التمازج والاقتراض بين اللغتين، وإما التعايش معاً جنباً الى جنب دون غالب أو مغلوب، والبقاء فى النهاية يكون للأقوى.
< ويشهد التاريخ.. كم من لغات أصابها الضعف بعد قوة وسيادة! وكم من لغات اختفت حيناً من الدهر لم يكن لها ذكر ولا وجود بسبب اختفاء أهلها عن مشهد التأثير فى الحياة، ثم سرعان ما ظهرت تحتل مكاناً لائقاً فى مشهد التأثير بين اللغات، وذلك بسبب عودة أهلها إلى مشهد القوة والتمكين كاللغة العبرية مثلاً!
< وهناك لغات أخرى ماتت واندثرت، فلم يعد لها ذكر ولا وجود بسبب فناء أهلها، فلم يبق متحدث واحد يتحدث هذه اللغة كما هو الحال فى اللغة الهيروغليفية واللغة الفينيقية واللغة السريانية.. إلخ.
< غير أن حركة القوة والضعف للغة، أو الاختفاء والموت لا تجرى فى اللغات خبط عشواء، بل وفق سنة لغوية تنتظم فى عوامل وأسباب للقوة والسيادة، كاعتلاء أهليها مراكز سيادية فى التقدم العلمى والاقتصادى والسياسى.. ونحو ذلك، كما هو الحال فى اللغة الإنجليزية، فإن أكثر من 80٪ من الإنتاج العلمى العالمى باللغة الإنجليزية.
< وتؤكد الدراسات اللغوية قديماً وحديثاً أن علاقة اللغة بقوة أهلها وضعفهم علاقة جدلية، كلاهما يؤثر فى الآخر قوة وضعفاً، حياة وموتاً.
وفى هذ الإطار صدر عن دار نهضة مصر كتاب «اللغة.. كيف تحيا ومتى تموت؟»، للدكتور محمد محمد داود الأستاذ بجامعة قناة السويس وعدد صفحاته «288» صفحة، ويعد الكتاب الذى بين أيدينا إتماماً للبحث الذى بدأه المؤلف فى كتابه «اللغة والقوة والحروب اللغوية»، وتتناول هذه الدراسة موضوع حياة اللغة وموتها فى ثلاثة فصول:
< يأتى الفصل الأول لبيان حياة اللغة وما يتهدد هذه الحياة، فينتهى بها الى الضعف أو الاختفاء ثم الموت.
< ويأتى الفصل الثانى لبيان العوامل التى تهدد أمن الشعوب واستقرارها، وتهدد هويتهم الثقافية مما يكون له أبلغ الأثر فى ضعف اللغة وموتها.
< ويأتى الفصل الثالث لبيان المخرج من الأزمة، وكيف يمكن بعث اللغة من جديد لتعود الى القوة والسيادة.
< ثم يأتى الختام بكلمة الفصل فى الموضوع.
< والدراسة على هذا النحو رحلة شيقة للتعرف على سر من أسرر حياة الإنسان على الكوكب الأرضى، وللوقوف على حقائق ومعالم منقذة إذا أردنا بلغتنا العربية وبأنفسنا خيراً.
وقد أشار المؤلف فى مدخل هذا الكتاب الى قصة تأليفه، وهى حينما كان فى إنجلترا فى جامعة ليدز المهمة علمية أقام نقاشات عديدة مع أساتذة التخصص هناك، وكان تلاميذ العلامة اللغوى «ديفيد كريستال» وآثاره العلمية حافزاً قوياً. كما يقول المؤلف، لسبر أغوار الموضوع، وكانت نقطة الانطلاق من كتاب «موت اللغة» حيث أثار الكتاب فى عقل المؤلف أسئلة محورية تستحق فى هذا المعنى منها كيف تموت اللغة، وهل حقاً تموت، أم أنها تختفى إلى غير ذلك من الأسئلة التى كانت تشغل فكر ووجدان المؤلف حول هذا الموضوع، ومن ثم هذا الكتاب تحدث المؤلف عن حياة اللغة والمقصود بحياة اللغة والأوضاع التى تخضع لها اللغات فى وجودها ثم ذكر عدداً من الأوضاع «اللغة الرسمية. اللغة الوطنية. التعدد اللغوى الاستراتيجى، عدم التمييز بين اللغات».
وتطرق المؤلف الى نقطة مهمة ألا وهى تباين حالات اللغة الرسمية فى علاقاتها باللغات الأخرى فذكر من ذلك «حالة الانسجام، حالة التوافق، حالة الصراع والتصادم» وقد عرض المؤلف سؤالاً ألا وهو كيف تحيا اللغة؟ فبين أن من سمات اللغة أنها متغيرة، ثم أشار الى أن قوة اللغة من قوة أهلها، وتناول كذلك قضية صراع اللغة من أجل البقاء، وأشار فى هذه النقطة الى المراحل التى تمر بها اللغة فى حياتها، وبيَّن انها تبدأ أولى خطواتها ضعيفة كالطفل، ثم تنمو شيئاً فشيئاً حتى تصبح يافعة، ثم تدخل مرحلة الشباب والعنفوان وهى مرحلة الترحال والسفر والاحتكاك مع الآخرين، ثم تأتى مرحلة الاستقرار والازدهار والتطرف، وذكر مثالاً على ذلك بالانجليزية الشكسبيرية القديمة التى تحولت بمرور الوقت الى الإنجليزية التى نعرفها اليوم ثم ذكر أن اللغة يطرأ عليها ما يطرأ على الكائنات الحية من الوهن والضعف ومن ثم البقاء أو الموت كذلك فإن بعض اللغات كما أشار المؤلف لها القدرة على التكيف والتأقلم والاندماج ببيئات جديدة، كما تحدث عن اللغة وعوامل الغلبة والانتشار، فذكر أن اللغات تتصارع مع بعضها البعض، كما يتصارع البشر، ويكون نتاج ذلك إما السيطرة وإما التقهقر، وإما التمازج والاقتراض بين اللغتين أو التعايش معاً جنباً الى جنب دون غالب أو مغلوب، ولاشك أن البقاء فى النهاية يكون للأقوى، ويتساءل المؤلف هل حقاً تموت اللغة ومتى تموت وكيف تموت ثم ذكر أن هناك لغات اختفت ثم عادت ثانية وكانت العبرية نموذجاً لذلك، وهناك لغات تموت ثم لا ترجع ثانية، كما أكد ذلك اللغويون, حيث ذكروا أن هناك نحو ثلاثين ألف لغة ولدت واختفت دون ان تترك أثراً منذ خمسة آلاف سنة على الأقل، ثم بدأ المؤلف يجيب عن هذه الأسئلة التى ذكرها فقال إن اللغة تموت عندما يتوقف أهلها عن التحدث بها وذكر نماذج على هذا الأمر منها «بوجون» الذى كان يعيش فى إقليم أداماوا بالكاميرون والذى كان يتحدث بلغة تسمى كاسابى فلما مات بوجون مات كاسابى وإلى الأبد وكان من أكثر نقاط الإثارة فى هذا الكتاب طرح المؤلف العديد من التساؤلات، فبالإضافة الى التساؤلات التى ذكرها آنفاً نجده قد ذكر تساؤلات أخرى متعددة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

إعلانات