2017/02/27

رفيق الدرب == د. شيماء الفره

رفيق الدرب
جلست سلمى في حديقة الفيلا ذات الأشجار العالية وارفة الظلال والزهور حولها تنثر عبيرها والطيور تغرد بأعذب الألحان.كان الطقس باردا والشمس تلقي بأشعتها على استحياء من وقت لآخر. أخذت فنحان الشاي ترتشفه بكل هدوء وأطلقت الخيال لعنانها تستدعي ذكريات أمس ليس ببعيد عندما كانت طالبة بكلية الهندسة وكان أول يوم لها بالجامعة حيث كانت على أعتاب مستقبل مشرق وأحلام عريضة وأمنيات تسع العالم بأسره واصرار وحماس تتزود بهما في أيامها الجديدة الآتية.وكانت سلمى من أسرة عريقة ذات ثراء واسع.وتذكرت كيف تعرفت على زوجها أحمد طالب كلية الطب في أول يوم لها بالجامعة حيث كان رفيقا لابن عمها وتم التعارف بينهما ولمست منذ اليوم الأول لتعارفهما نبل ورقي أخلاقه ومضت سنوات دراستها سريعا وانهت دراستها. واستكمل أحمد دراسته وأنهى سنة الامتياز بتفوق.وخلال تلك الفترة كانا على تواصل وكل يوم يمر يزداد تمسكها به أكثر من ذي قبل. وكان ابن عمها الذي هو بمثابة أخ لها كان يعلم بمدى حبها لأحمد وصدق حبهما ومدى جدية أحمد وكان يساندهما لتحقيق حلمهما. كان أحمد شاب مكافح من أسرة متوسطة وكانت سلمى تخشى من رفض أبيها له.بعد انتهاء أحمد من دراسته تقدم الى سلمى وكان أبيها رجلا ذو فكر واعي ومثقف بدرجة كبيرة فأعجب بشخصية أحمد وحماسه واصراره وتوقع لأحمد مستقبلا زاهيا. بعد عامين من كفاح أحمد ، استطاع أن يهيئ مسكنا لبداية حياته مع سلمى وتم الزواج في هذا المنزل الصغير الذي يظلله الدفء والحب والأمان. وبمرور الوقت زاد نجاح أحمد وحصل على درجة الدكتوراة واستطاع خلال تلك الفترة أن ينقش له اسما في تخصصه وانتقل أحمد وسلمى من مسكن الى مسكن أكثر اتساعا ثم اشترى لها هذه الفيلا في عيد زواجهما وشعرا الاثنان معا بالاستقرار والأمان والسعادة ورزقهما الله بابنتهما منة التي كانت منة وهبة من الله سبحانه وتعالى لهما وجعلت السعادة تطل على هذا المسكن من أوسع أبوابها . أثناء استرسال سلمى في أفكارها وذكرياتها جائها اتصال تليفوني من صديقتها تخبرها بخبر نزل عليها كالصاعقة فقد أخبرتها بزواج أحمد منذ فترة وأنها ليست لديها أي معلومات عن هذه الزوجة. شعرت سلمى أن الدنيا تدور بها وجلست بسرعة قبل أن تتهاوي على الأرض. وأخذت تستجمع شتات نفسها وكانت ثقتها بأحمد تصل الى أبعد حد وتيقنت أن هناك شئ خفي في هذا الموضوع.وعندما عاد أحمد مساء طلبت منه أن يتناولا عشائهما خارج المنزل هذا المساء فاستجاب أحمد لطلبها وجهزت نفسها وخرجا معا واختارت نفس المطعم الذي اعتادا على الذهاب اليه لانه يحمل لها ذكرى طالما ستظل تذكرها ومحفورة في ذهنها. عندما وصلا الى المطعم المراد واستقرا في جلستهما .قال لها أحمد بكل ود وحب أراك متغيرة اليوم وعيونك تتجنب النظر الي ولا أرى بهما نفس اللمعة التي اعتدت أن أراها دوما فسردت عليه ما كان بيومها وقالت له أريدك أن تؤكد لي صدق أو كذب هذا الخبر فأطرق أحمد قليلا ثم أخبرها أنه بالفعل تزوج من أمل التي كانت زميلة له بكلية الطب والتي هي بمثابة أخت له وأنه لم يتزوجها بدافع الحب ولكن بدافع الواجب الذي استدعى ذلك .فأمل قد أصابها مرض خطير منذ فترة وقبل ذلك كانت قد فقدت أبويها ونتيجة مرضها لم تستطع اكمال دراستها أو العمل. ولجأت اليه لأنه كان بمثابة أخ لها وكان يقطن بنفس الحي الذي تقيم به فقد تربيا معا منذ الصغر على روابط الأخوة. وأخبر سلمى أنه تزوجها حتى يستطيع رعايتها ويتكفل بها ماديا فلا تشعر بحرج. والتقارير الطبية تؤكد أنها في مراحل مرضها الأخيرة . وأن ما فعله هو أمر انساني وأنه يتحتم عليه أن يقف بجوارها كأخت له ليس لها سند غيره بعد الله سبحانه وتعالى. لمعت عين سلمى ورقرقت بالدموع وربتت على يدي أحمد وقالت له كما تعودتك دائما رفيق دربي وستظل مثالا في النبل ورقي الخلق والوفاء. دمت لي بخير رفيق دربي.
د. شيماء الفره

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

إعلانات