..ولمّا انْتشتْ وطابَ لهَا الهوى ،
ترنّمتْ بدافـِئ صوتِها اللطيفِ ،
فقالت: باسْمِكَ حبيبي يَجهشُ خافِقي ،
بفرحٍ حَــارقٍ كالبُــكاءْ ،
بصلاةٍ تملأُ حُشاشَتي ،
تبتــُّـلاً ، و نورًا ، ودُعاءْ...
فقلت : أتذكرينَ ســطري الأولَ ،
حين َ أبدعَـتـْه ُ الشّـفـاهُ ؟
على صفحةِ جيـدِكِ النافِــرِ ،
لثْماً يزهو ، في دلالٍ شفيفِ ،
وكيفَ يسحبُني الشوقُ للقاءْ ،
للغوصِ ، للغرقِ ، للفناءْ ...
في حنايا فؤادٍ يهتزُّ منْ وَجيفِ ..
وكيف يداكِ تدعوانِ كفِّي للبقاءْ ،
طويلاً بجِنانِ حُضنِكِ الدافيءِ الساحِـرِ .
وإني لأَعْجَبُ لثغـْري ، كيفَ يُذْكـِي الآهَ ،
فتشمخُ منكِ ، وتعْلـــــو ،
على جناحِ همْسِكِ الخفيفِ ، الآسِـرِ.
لتعرُج بالرُّوحِ فِتـنــة ً، وابْتِلاءً للسماءْ !.
القدُّ مقدودٌ ، فارهٌ ذو اعْـتدالِ ،
ينثُـر البـِشْرَ حولنا ، كُـلّما هَبَّتِ الصَّبا ،
مع نسيمٍ يسْترقُ العَبَقَ منْ جيدكِ العاطِـرِ .
وتلكَ البسمةُ الشاردةُ ، كمْ تُـغري ،
كلّما هلَّـتْ تقدحُ شمُوع َ الِوصالِ ،
لتــنيرَ جفن َ ليلٍ يمضي ،
متلحـِّفاً برداءِ فجْـرٍ منْ رمشكِ السّاهرِ...
مجنونٌ طيفُكِ حبيبتي ، إني أراهُ ،
مُتراقِصًا حولَ مضْجعِنا المُنوّرِ الزّاهرِ .
باعثًا سحرًا يعصف بقلبٍ يخفقُ منْ بهاءْ ...
إني أَلمَحُ الوضاءةَ ، على حـُمرة خدِّ كِ تومِضُ،
في تمايُلٍ من وجَـــلِ خفيفٍ ،
كفراش الروضِ الهائمِ الحائرِ....
وبين نبيذِ الشفاهِ ، و دِفءِ الأوصالِ ،
تغنَّجَ البدنُ الشهي خَجِلاً ، ثم ارْتخى ومالْ،
فأضاعَني حينَ طوَّحَ بي ،
بعيدًا في حُلمٍ عُضالْ،
لستُ فيه بمُبصِرٍ ولا كفيفِ ،
ولا بِسابحٍ ، في سماءِ عشقي ولا بطائرِ .
يتشهّى الفؤادُ تفاصيلَ هذا الجمالْ ...
فمِنْ آياتـِه باذخُ حُسنك ، وما تُبْـدينَ من دلالِ ،
وطولٍ فارهِ الرقةِ واختيالٍ ظريفٍ ، واعْتِدالِ
الطرفُ مُكحَّـلٌ ، والصّدرُ يزهو بِنتُوئهِ الباهرِ ،
والثغر جائرٌ ، ثمِلـْـنا من نـداهُ العاطـرِ،
حينَ سقانا سُلافةَ بوْحِهِ اللطيفِ ، العابرِ...
ناديتُ أعماقكِ :هذا وجهكِ الجميلُ غاليَتي،
للغوصِ قد أوْحى ، بما أوْحـــى،
فاحْضُنيني أرْتوي منْ شهدِك المُتقاطرِ،
فلَعلّهُ يخْضَلُّ فيـُزْهرُ برعُمُ الهوى ،
في عِطْفِ هذا الحُبّ الغَضّ العَفيفِ ، الطاهرِ.
إنّي أرى مُحيّاك بالوصلِ انْتـَشى ،
و البدرُ في عَليائهِ ، مِـنْ لَمَاكِ استضاءَ واكْـتَفـى ،
يُناوشُ بِسنائِه بريقَ هُدبِكِ الناعسِ ،
كلَّمـا بَــدَا و اخْـتفـى ،
من بينْ غيمٍ سابحٍ ، وضبابٍ دامسِ،
يتلوى الضبابْ ،
كقلبي يُشوى بينَ نارِالهجرِ،
ودُخَانِ الصدِّ وَ رمادِ العِتابْ ...
الأنسُ منْ حولِنا ساهـرٌ،
ونسيم السَّحَرِ أطلَّ ،
فأهاجَ دِفْءَ الرُّضابْ ،
وزورقُ الحبّ بين اليمِّ المتلاطم واليابسِ،
ما تاهَ و لا تضعضعَ ولاغابْ ،
صامدا يتهادى ،
يخترقَ ليلَ الموجِ الثائرِ، يمْخُرُالعُبابْ ،
بين إرساءٍ وإبحارٍحتى محتْ آياتُهُ،
ذكرى الهَجرِ ،
وآلام ذاك الغيابْ ...
والخافقُ من لظىَ البعد ،
وحرقة الجَوى ذاب ْ،
وفي صبْوةِ حبٍّ ،
حُـلوِ المرارةْ و العذابْ ،
نَمتْ أشواقٌ وأفكارٌ حلــَّقتْ بي ،
كطائرٍ مسافرٍ، مهاجرٍ نحوَ السرابْ !
قدْ أضرمَ حُنوُّكِ حبيبتي صَهيلاً ،
بِوجداني و قلبي الواهنِ الضعيفِ،
فأحْيا وصْلُك مَوَاتَ أزهارِنا النّواعِسِ،
فأشرقتْ من نورك روحي وتغنت ،
بعودةِ الروحِ ، لسَجايا باليِ وخاطرِي ....
عبد الاله قطبي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق