2018/11/09

" الجنون وانبِعَاثُ القَصيدَة"/ للشاعر المبدع د . مُهَنّد ع صَقّور

ربما تحتوي الصورة على: ‏‏شخص واحد‏، و‏‏‏‏‏وقوف‏، و‏شجرة‏‏، و‏‏نبات‏، و‏نشاطات في أماكن مفتوحة‏‏‏ و‏طبيعة‏‏‏‏


" لِمَاذا القصيدَة .؟ "......أو
............................" الجنون وانبِعَاثُ القَصيدَة"
وَيَسألونَكَ عَنْ الألفَباء .؟ فَقُلْ : هِيَ / القَصيدَة /
عِندَمَا يُخَوَّلُ الجُنونُ بِإدَارَةِ العَالَمِ , وَيَبدَأُ الخَرَابُ بِتَعرِيةِ الأروَاحِ مِنْ حَيَاتِهَا , والنّفوسِ مِنْ قِيَمِهَا , والأرضِ مِنْ أشجَارِهَا , وَيَطَالُ الانهيَارُ كلّ شَيءٍ حَتى أحلامَنَا , مَواعِيدَنَا , وَضَمَائِرنَا التي لَمْ تُقَاوِمْ , ولَمْ تَصمُدْ وَرَاحَتْ تَتَدَاعَى أمَامَ أوّلِ هزّةٍ نَتَجَتْ عَنْ زَلزَالِ المَادّةِ الذي ضَرَبَ البُنَى الهَشّةِ لِعَالَمٍ هَشٍّ , رَخيصٍ , النّاسُ فِيهِ أقرَبُ إلَى الرّخَويّاتِ مِنهُمْ إلى الإنسَانِياتِ عِندَمَا حَصَلَ ذَلِكَ أو بَدَأ بَعضُهُ بِالحُصولِ وَبَدَأتْ عَورَاتُنَا تَظهَر , طَفقنَا نَخصِفُ عَلينَا أورَاقَ الجُذورِ لِتَكونَ لَنَا سُتُورَاً ., وَبَدَأنَا نُقَدّمُ أعذَارَنَا , وَنُكَفّرُ عَن أخطَائِنَا بِالعَودَةِ إلَى الأُصول, لَعَلّنَا نَلتَمِسُ مَا يَنفَعُ قَبلَ فَواتِ الأوانِ " وَلاتَ حِينَ مَندَم " . وَلَكِنْ هَلْ تَكفِي مَا في العَالَمِ مِنْ أورَاقٍ لِتَستُرَ عُريَ قَلبِ إنسَانٍ , وَعَورَةَ نَفسِه .
عَالَمٌ عَنكَبُوتِيّ , بَربَريّ , مُخَنَّثٌ., نَتِنٌ تَفوحُ مِنهُ رَوائِحُ الدّمَاءِ والجَثَثِ الهَامِدَة , وتَحتَدِمُ بَينَ نَاسِهِ شَهَواتُ شَبَقِهِم المَحمومِ لِلمَادَةِ ., عَالَمٌ تَختَالُ مُعَادَلتهُ / المَالُ , النّسَاءُ/ تِيهَاً وبَطَراً .., وَتَتَرَبّعُ كُلّ مِنبرٍ قَائِلَةً بِمُرعِد الصّوتِ : أنَا ربّكم الأعلَى فَاعبُدونِ " ., عالَمٌ كُلّ شَيءٍ فِيهِ بَاتَ مُهَشّمَاً , مُشَوّهَاً , قَابِلَاً لِلبَيعِ بأبخَسِ الأثمَان .., عَالَمٌ لَمْ يسلَم مِنْ شَرّهِ أحَدٌ .., فالفِكر بَاتَ مَشلولَاً لَا يَقوى عَلى شَيءٍ ., والأبجَدِيَاتُ بِيعَتْ واستُؤصِلَتْ أرحَامُها .., أمّا الأدَبُ فَقَد سُبِيَ وانتُهِكَتْ أعرَاضُهُ .., والشّعرُ ذَاكَ الكَائِنُ الإلَهيّ سِيقَ مُكَبّلَاً بِأغلَالِ القَرَائِحِ العَفِنَةِ , وقيودِ الزّبَدِ المُقرِفِ , وسَلاسِلِ النّقدِ الأجوَفِ , واغتُصِبَتْ ابنَتُهِ البِكرُ / القَصِيدةُ / أمَامَ عَينَيهِ ., وأضحَتْ مُلكَ يَمينٍ لِمَنْ هَبّ وَدَبّ في سُوقِ نَخَاسَةٍ لَا أقبَح ولَا أسوأ .! فَلِمَاذا القَصيدَة .؟ وَمَا هُوَ الإثمُ الذي اقتَرَفَتهُ ,؟ ومَا هِي المُوبِقَةُ التي ارتَكَبتهَا ., والأهَمّ مِنْ هَذَا كُلّه أينَ هُوَ وَلِيّ أمرِهَا .؟ وَلِمَاذا تَمَطّى وتَولّى هَارِبَاً .., نَعَم أينَ هُو الشّاعِرُ ولِيّ الأمر.؟ أم أنّهُ قَبضَ الثّمَنَ وانتَبذَ مَكَانَاً قَصِيّا .؟
لِلّذِينَ يُنَظّرونَ ويُبشّرونَ بِمَوتِ القَصِيدَةِ .., ولِلّذِينَ طَبَعوا وعَلّقوا أورَاقَ نَعيِها عَلى قَارِعةِ أوهَامِهِم.., وَلِلّذينَ يَتَأبّطونَ مَرَارَةَ فَشَلِهِم وإفلَاسِهم في فَكّ شِيفرَتِهَا العَصِيّةِ .., ولِلّذينَ يَتَعَامَلونَ مَعهَا وَكَأنّها سُلعَةُ يَشترونَهَا ويَبيعُونَهَا مَتى يشَاؤون .., أو يَعتَبِرونَهَا سَقطَ متَاعٍ .., وَلِلّذِينَ يَتَأهّبونَ لِلسّيرِ بِجنَازَتِهَا لَهُم جَمِيعَاً أقولُ وبِاسمِ القَصيدَةِ :
سَألتُهَا : الدّربَ , وانسَابَتْ بِلا أوَدِ
...........................................تَحدو بِأمسٍ إلى أنْ يَلتَقي بِغَدِ
كَأنّهَا صِلَةُ الإنسَانِ مِنْ أزَلٍ
............................................بِذَلِكَ الآخَرِ البَاقي على الأبَدِ
أهدَتْ لِسَالِكِهَا آفَاقَ مَقصَدِهِ
..........................................فأزهَرتْ بِشُموسٍ تُربَةُ الجَسَدِ
وَأعطَتِ الرّوحَ مَعنىً خَطّهُ قَلَمٌ
...........................................مِنَ السّماءِ فَجَازَتْ قُبّةَ الجَلَدِ

القَصيدَةُ فِي البِدءِ كَانَتْ وستَبقى الكَائِنَ الحَيّ الأرقى والأسمَى الذي سَيصعَدُ بالخَلقِ عَلى بِسَاطِ ريحِ الشّوقِ حيثُ مَجرّة البِدءِ الأولى .., وسِدرَةُ مُنتَهَى العَقلِ الأوّلِ وهُوَ يُعِيدُ أمرَهُ الفَصلِ " كُنْ " .., سَتَصعدُ بِالخلقِ إلَى رُبوعٍ سُندُسيّةٍ يُصَادِفُ فيها " امرئ القيس والمُتنَبّي وأبَا نواس والشّريف الرّضِي وأبا تَمّامٍ والبَدويّ .., وَلِأنّها الكَائِنُ الحَيّ الأرقَى فَهِيَ ذاتُ عَالَمٍ خَاصٍ مَليءٍ بِخيبَاتِهَا وآمَالِهَا .., انطواءاتِهَا وتَجلّيَاتِها .., انتصَارَاتِها وانكِسَارَاتِهَا . إذنْ فَهِيَ لَيسَتْ صُورةٌ فُوتُوغرَافية عَنِ الواقِعِ المُحيطِ بِهَا .., ولَيستْ نسخةٌ طِبقَ الأصلِ عَنهُ .., وإنّمَا هِيَ حَالَةٌ إنسَانِيّةٌ تَنتَمي إلَى ذلِكَ الواقِع وتُحَاوِلُ جَاهِدَةً أنْ تَجِدَ لَهَا وطَنَاً فيه . وَحينَ تَفشَلُ مُحَاوَلَتُهَا تَتَخِذُ لَهَا مَنفَىً عَلى الورق., فالأورَاقُ في حَقِيقَةِ الشّعرِ مَنَافي القَصَائِد . وهَذَا لَا يَعني المَوتَ أبَدَا.
إذَن فالمسألَةُ ليسَتْ مَسألَةُ مَوتٍ وَإنّمَا مَسألَةٌ شُعُوريّةٌ مَحضَة , إذْ كَمْ مِنَ القَصَائِدِ الجَميلَةِ التي أشعَلَتْ دَفَاتِرَ شَاعِرِهَا بِالأحلامِ ، وَعِندَمَا تَجَسّدَتْ عَلى أرضِ الحَقيقَـةِ فَقَدَتْ هَيمَنتَهَا عَلى تِلكَ الدّفاتِرِ وَصَدِئَتْ أجراسُها عَلى الخُطوطِ إلاَّ مِنْ دَقّاتِ ذِكرى عَالِقةٍ بِالهَوامِش . مِنْ هُنَا نَكتشِفُ أنَّ ثَمَّةَ أشكالاً أُخرى يَتَجَسّدُ فيهَا الشِّعرُ خَارجَ نِطاقِ اللّغةِ.. أشكالاً حُرّةً طَبيعيّة غيرَ هَذهِ القوالِب الحَرفيّةِ الجَامِدَةِ في كَثيرٍ مِنَ الأحيان، وَالمُتَحَرّكَةِ في بَعضِ الأحيان. فَالفلاّحُ - مَثَلاً- وَهُو يَضَعُ بُذورَ سَنابِلهِ في رَحِمِ الأرضِ يَضعُ في الوقتِ ذاتهِ المَلامِحَ العَامّة لِقصيدَتـِهِ التي تَكتمِلُ يومَ الحَصَاد، ، لِيبدَأَ الفرَّانُ بَعدَ ذَلِكَ بِصياغةِ قصيدَتهِ الخَاصّةِ بهِ وَهُوَ يُوازِنُ بينَ مِعيارِ الخَميرةِ وَنِسبَةِ العَجينِ وَكثافَةِ اللهَبِ هَذِهِ هِيَ القَصيدَةُ التي تختَصِرُ عَشَراتِ الحُقُولِ في دَورَةِ رَغيف . والأطفَالُ .! أليسَ الأطفالُ قَصَائدَ مِنْ لحمٍ وَدَم.. قَصَائِد تَنبَثِقُ نِطافُ دَهشَتِها مِنَ الأصلابِ، وَتختلِطُ أمشَاجُهَا في الأرحَامِ وَتعبرُ جِسْرَ المَخاضِ إلى النّشوةِ الأكثرِ جَمَالاً في الحَياة.. نَشوةِ الوِلادَة .؟
وَمِنْ هُنَا يَتّضحُ لنَا أنَّ وَاقعَ الحَياةِ مُكتَنِزٌ مَشحونٌ ويَضِجّ بِالمَشَاهِدِ الشّاعِريَّةِ عَلى عَكسِ القصَائِدِ اللّغويّةِ التي لا تَحمِلُ في خِزانتِهَا مِنَ الشّعرِ إلاَّ القليلَ وَالنّادِرَ نَدرَةَ الحُبِّ في خِزانةِ العَالمِ المَادّيّ المَجنون . ورُبّمَا زَعمتُ بأنّ شَاعِريّةَ الأرضِ دَائِمَاً في تَوازُنٍ وَتَكَامُلٍ أيضَاً بَينَ عَواطِفِ الطّبيعَةِ واللّغَةِ والبَشر , فَقَد يَزدَادُ تَوهّجُهَا في الطّبيعةِ ويَقِلّ في البَشَرِ ., وَقَد يَرتَفِعُ غَليَانُهَا في البَشَرِ وَينخَفِضُ في الطّبيعَةِ , لِذَلِكَ أعتَقِدُ أنّ القَولَ السّائِدَ بِأنّ الشّعرَ يَذوبُ في الأنواعِ الأخرى مِنَ الفُنونِ كالفَنّ التّشكيليّ والقِصّةَ والرّوايَةَ التي تَتَقَدّمُ جميعَها بِاتّجَاهِ الشّاعِريّةِ , هَذَا القَولُ دَقيقٌ جِدّاً ., وَلَكِنّ الادّعَاءَ بِأنّ جَنَازَةَ الشّعرِ في طَريقِهَا إلى القَبرِ ادّعَاءٌ قَائِمٌ على خُواءٍ وجَهلٍ بِقَدَاسَةِ الشّعرِ وسرّانِيتِهِ ., لِأنّ جَنَازةَ الشّعرِ تَعني جَنَازَةَ الإنسَان ., وَمَا دَامَ هُنَاكَ قلبٌ يَنبُضُ بِالحُلمِ في حَضرةِ العَقلِ المَهيبِ فَلَا بُدّ أنْ يَكونَ هُنَاكَ هَذَا المَخلوقُ الجَميلُ المُسمّى مَجَازاً بِالشّعر ولا بُدّ أنْ تأتَلِقَ ابنَتُهُ القَصيدةُ وَتَهطِلُ مُحكمَاتُ آيَاتِهَا لِتُعِيدَ تَرميمَ مَا تَهدّمَ مِنْ كينُونةِ ذَواتِنَا .., وتَلُمّ شَتَاتَنا بَعدَ أنْ بَاتَ نُتَفَاً ومِزَقَا ., هّذِهِ هِيَ / العَنقَاءُ / القَصيدَة ُ ولِهّذا خُلِقَتْ .
بِقَلَمِي 
د . مُهَنّد ع صَقّور

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

إعلانات