2016/07/29

الكنز الثمين بقلم الدكتور محمد القصاص

الكنز الثمين
بقلم الدكتور محمد القصاص
لو فوجيء الإنسانُ منا بسؤالٍ عن أمنياته ، فظني بأنَّ الأمرَ لن يطول كثيرا ولن تستغرق الإجابة عليه وقتا أكثر من دقائق معدودة ، لأن مثل هذا الأمر ، يشغل بال السواد الأعظم من الناس على الدوام ولن يحتاج منا إلى تفكير عميق ، فالأمنيات لدينا تتصدر أولوياتنا نفكر بها دائما ونتمنى تحقيقها في كل خطوة نخطوها في حياتنا وهي دائمة الحضور في أذهاننا ، فلا تحتاج منا إذن إلى تأنٍّ وطول اصطبار ، هي دائما بمخيلتنا ، نحلم بها ونتمناها ونتأملها ، وربما تشغل بالنا أكثر من أي شيء آخر يتصدر الأحداث في حياتنا اليومية .
لكنّ الأمنيات تتفاوت وتختلف ما بين إنسان وإنسان ، فهذا يبحث عن الغنى والمال والثراء ، وذلك يبحث عن الجاه والسيادة ، وآخر يبحث عن المنصب والكرسيّ ، وكلٌ في فلكٍ يسبحون .
نتناسى لسببٍ أو لآخرَ الأمنياتِ الأكثرَ أهميةً في حياتنا ، فيضيع العمر ونحن ما زلنا نحلم وقد لا يتحقق من أحلامنا شيئا ..
أتساءل إن كان الثراء والمال والجاه والمناصب والسيادة ، كل تلك الأمور تستحق منا كلَّ هذا العناء والتفكير ؟ . أليسَ هناك مطالب أخرى قد توازي هذه الأمنيات ، بل تفوقها قدرا وقيمة وأهمية ؟
يسعى بعض البشر سعيا حثيثا وراء تلك الأمنيات الدنيوية ، ويتناسوا بأن هناك أشياء تبقى الأهم في حياتنا من كل تلك المتطلبات ، هل فكَّر الإنسان بدينه يوما ، وفضَّله على دنياه الفانية ، وهل فكَّر بصحته وما ينتظره بعد الصِّحة من سُقام ، هل فكر بوضعه الاجتماعي وسمعته بين الناس ، هل فكَّر بالبحث عن الأصدقاء المخلصين الأوفياء الذين يواسونه عند الملمات ، ويساندونه في تجاوز العقبات ؟
كل هذه التساؤلات ، يعجز الإنسان العادي عن تذكرها أو هو يتجاهلها عامدا بسبب انشغاله بأمنيات أخرى زائلة ، وفي كل الأحوال فإني أتمنى على كل إنسان عاقل راشد في مجتمعاتنا ، أن ينتبه جيدا لما هو مهمٌّ ، وبما يشغل باله به من أمور دنياه وآخرته ، وليعلم الناس بأن أهم شيء يجب أن يفكر فيه في حياته ، وقبل أن يوافيه أجله ، ويلقى مصيره ، هو أن يعمل لآخرته الكثير الكثير ، وليعلم بأنه ومهما امتدَّ به العمرُ ، وكيفما حاول واجتهد وسعى فلن يستطيع تحقيق أي شيء لم يكتبه له الله . 
الكثير من البشر نراهم يُفنونَ حياتَهم سعيا وراء عرض الحياة الدنيا ، ويتنكبون للآخرة ، غافلين تماما عما ينتظرهم في هذه الحياة من متاعب لا يعلمها إلا الله ، فالذين أمضوا حياتهم يلهثون وراء المناصب ، لكنهم ضلُّوا وأضلُّوا ، وتمادوا بالفساد والإفساد ، والنهب والسلب واللصوصية ، ولم يخطر على بالهم يوما بأن كل ما أخذوه ونهبوه من أموال الأمة ومؤسساتها بالباطل سيكون وبالا عليهم ولا بد يوما من أن يُرَدُّوا إلى أرذل العمر حتى لا يعلموا من بعد علم شيئا . وسوف يعضون أصابع الندم ، ويندمون ندما شديدا على ما فرطوا في جنب الله .
الأموال التي استولوا عليها بغير وجه حق ، والتي ما زال البعض منهم يعتبرها مكسبا حلالا حصل عليه بقدراته الخارقة ، بل ومنهم من يعتبرها حقا من حقوقه ، ولا أدري كيف يبيح لنفسه نهب مثل هذه الأموال بغير وجه حق ، وهي لا يمكن أن تعتبر حقا مشروعا له ولغيره بأي حال من الأحوال .
إن الأمر جدُّ خطير ، وإن أولئك الذين يفسدون في الأرض بحكم المسئولية والمنصب ، سيجدون أنفسهم يوما على فراش المرض ، ولن تُسعفه الأموال الحرام ، ولا كل أملاك الدنيا أو تمنع عنه الموت والمصير .
اللصوص في البلاد العربية ، سرقوا مقدراتها ونهبوا خيراتها ، ولم يتركوا شيئا إلا لوَّثوه بأفعالهم المشينة ، والشعوب العربية اليوم هي التي تدفع الثمن باهظا وغاليا ومضنيا ، والملايين منهم يموتون جوعا وفقرا وحسرة وظلما وقتلا وتشريدا وتهجيرا ، وقد أصبحوا تحت رحمة المنظمات اليهودية التي تمد لهم يد المساعدة بأبشع الصور .
الشعوبُ التي كانت تنعمُ بخيرات أوطانها ، وتحيا بكبريائها وأنفتها وعزها على أرضها ، أصبحت اليوم شعوبا ذليلة مقهورة ، مهاجرة ومهجَّرة ، لا تأمنَ مباغتة الشر في أية لحظة من اللحظات ، فمن أصبح منهم ، لا يمكنه انتظار المساء ، ومن أمسى لا يمكنه انتظار الصباح .
الويلات تُحيق بشعوبنا العربية من كل جانب ، والآفات والقتل والدمار تحيق بأوطاننا من كل حدب وصوب ، ويقيني بأنه لن ينجو من ويلات الخيانة والعمالة سوى الخونة والعملاء أنفسهم .
أستغرب وأتساءل ، كيف يعيشون وبأي صورة يمكنهم ممارسة حياتهم الاعتيادية ما بين سيول الدم وأكوام الجماجم ، وهم يعلمون بأنهم هم السبب ، وأنهم هم اللصوص والعملاء والخونة ؟
إن مُتعُ الحياةِ زائلةً ، وما خلقنا لنحيا فيها عبثا ، وإنما كان خلقنا من أجل هدف معين ، هو أن نعبد الله مخلصين له الدين حنفاء ، وقد قال تعالى : وما خلقت الإنس والجن إلا ليعبدون (صدق الله العظيم) .
نحن أمة كنا من أرقى الأمم ، فبعدنا عن ديننا ، فأصبحنا من أدنى الأمم منزلة ومقدارا ومكانة ..
اللهم اهدي قومي وخذ بأيديهم ، وأهدهم سواء السبيل .. أنت ولينا في الدنيا وفي الآخرة ، والحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ،،،

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

إعلانات