2019/01/14

((( نداء خفي)))شعر/ د. رشيد هاشم الفرطوسي

((( نداء خفي)))

1
هل يسير الكون في درب الفناءْ 
أم يسير الكون في درب الخلودْ .؟
أمْ فناءٌ بَعده الخُلْدُ فهل . . . يرتجي الخُلدُ فناءً يبتديهْ .؟
أوَ ما كان فناءً وابتدا . . . لِمَ لا يبقى بحالٍ هو فيهْ
أين كُنّا كيف جئنا فغدونا . . . في وجودٍ كنههُ ليس نعيهْ
ما القوانين التي تقتادُنا . . . نحن لا نعلمُ شيئاً نهتديهْ

كُلُّها أسئلةٌ ليس لها . . . من جوابٍ يا تُرى أين الجوابْ .؟
هل حدود الفكر فينا رَضِيَتْ . . . بجوابٍ تائهٍ بين الضبابْ
فنداري العيبَ في إدراكنا . . . ثُمَّ نرضى بالذي فيهِ نُعابْ
إنَّ سِرَّ الكون لا شكَّ به . . . كلُّ سِرٍّ منه نرجو الإقترابْ

ليس بِدءُ الكون سرّاً غامضاً . . . إنما السرُّ تُرى مِن أين جاء
ونقول الشيء موجود إذا . . . ما تحسسنا فما معنى البقاء
كم أمور نحن لا ندركها . . . باقيات موغلات في البقاء
إنما مقياسنا نحن لنا . . . والمقاييس لها ما لا نشاء

ربما نجهل ما في أرضنا . . . كيف ندري بالذي خلف النجوم
أي شيء آخر الأشياء هل . . . هو بِدء الشي في رأي العلوم
والفضاء الواسع الأرجاء هل . . . في انطواءٍ دائِمٍ أم لا يدوم
إنّ في "النسبيَّة"ِ العلم الذي . . . ليس ينأى عنه ذو الفكر السليم
2
مَن يناديني بهذا الليل مَنْ ..؟ . . . غارقٌ فكري وحولي ألفُ ظَنْ
مَن يناديني لكي أرحلَ عن . . . منهجِ الناسِ وأقطار الزمنْ
بِنِداءٍ نابعٍ مِن منطِقٍ . . . ثائرٍ في السرِّ مدحورِ العَلَنْ
ضَيِّقٍ في طُرُقِ الشكِّ لهُ . . . طُرُقٌ أوسعُ في أقوى الفِطَنْ

وانفعالاتٌ وأفكارٌ بها . . . لا أرى الكونَ كما كنتُ أراهْ
إنّما ينقَعِرُ الفِكْرُ على . . . ما عليهِ اعتادَ أيّامَ صباهْ
ثُمَّ ينقادُ لما انقادَ له . . . موكبُ الخَلْقِ فتنزاحُ رؤاهْ
هكذا نحن وكم قد دُثِرَتْ . . . فكرةٌ في الفِكْرِ مما قد جناهْ

ثُمَّ صرنا بجمودٍ شامِلٍ . . . ليس نرضى أنْ نرى فيه جمودْ
ونسِينا كم نقاشٍ ثائرٍ . . . غُلِقَتْ أبوابُهُ عِبرَ العُهودْ
أين كُنّا زمن الماضي السحيق
وأين الروحُ مِن محض الوجودْ .؟

أيها الساهِرُ مَلَّتكَ الرؤى . . . أ عَشِقْتَ العُمْر في صَرح الخيالْ ؟
أتُرى تبغي اكتمالاً ما له . . . في عقول الناس أشكال الكمالْ
عشْ كما عاش الورى إن لم تجد . . . من يحب العيش في أعلى الجبالْ
لست تدري ربما أنت لدى . . . جدل يرديك في بحر الجدالْ

أيها الساهر نم إنّ الورى . . . نُوَّمٌ لم يعشقوا وقت السهرْ
أسروا الأرواح في أجسادهم . . . وهمُ أسرى لناموس القدرْ
ما بأيديهمْ سوى أن يخضعوا . . . لقوانين تناهت في الصغرْ
فقيودٌ قيَّدت أفكارهمْ . . . وقيودٌ لانتقادات البشرْ

وكأنّي أقبس الأفكار من . . . عالم خلف بحور من خيال
خارق الأوصاف مكنون به . . . كل ما كان لدى الذات وزالْ
رائع المرقى سوى أنَّ له . . . طرقاً صعب على الفكر تنالْ
إنما نحن على قمتنا . . . حجر بين جبال وتلالْ

أيها الساهر قول ضائع . . . هذه الدنيا وبدر ساطعُ
أنت من أنت؟ اندثارٌ مثل مَنْ . . . ذهبوا إن أنت إلاّ طائعُ
أيها الساهرُ لا الفكرُ له . . . من حدودٍ فهْوَ عنها راجعُ
منتهى الضعف إذا حَلَّ بهِ . . . قَدَرٌ فهْو مَقُودٌ خاضعُ

أيها الساهر مَن يعرفُ مَن . . . إنْ يجِدَّ الجد أو يقوى العَنَتْ
لا تُغَرَّرْ بكلامٍ عابرٍ . . . فإذا ما نطق الحقُّ سَكَتْ
فالمعاني أوجَدَتها فِكَرٌ . . . وأمورُ الغيبِ عنها اتَّسَعَتْ
لا يُداني كُنْهَها مُتَّسَعٌ . . . في عقولٍ في مداها رُبِطَتْ

قَدَرُ الدنيا بأنْ ليس بها . . . مَن يرى الكونَ بآلاف الوجوهْ
ليس في النُسكِ خُمودٌ إنما . . . عَبَقُ الدين بعِلمٍ هو فيهْ
منهجٌ يمشي به الناسُ له . . . ألفُ بابٍ واحدٌ همْ داخلوهْ
فكأنَّ الدين في أفكارهمْ . . . مسلك يُفضي لما هم يشتهوهْ

كلُّ شيءٍ لو تفكَّرنا به . . . لَوَجدناهُ تعابيراً غريبةْ
ربما ينطقُ في كيفِيَّةٍ . . . ما لنا من لغةٍ منها قريبةْ
إنْ عَجِبْنا مِنْ أُمورٍ عَجَبٍ . . . فحياةٌ نحن فيها لَعَجيبةْ 
فسلكنا سُبُلاً ما اشتَمَلَتْ . . . دِقَّةَ الدنيا بآفاقٍ رحيبةْ

إِذْ مَشينا خلفَ مَن قد سَلَفوا . . . وعرَفنا بعضَ ما قد عرَفوا
وتَبعناهم بِعاداتِهمُ . . . ما لدينا مَنهَجٌ مُختلِفُ
ما لدينا من جَديدٍ في الرؤى . . . بلْ تَبِعنا فكرَ ما قد خلَّفوا
وعلى ذاكَ يسيرُ الناسُ ما . . . مِن جريءٍ للرؤى يَنتَصفُ
3
تَحكمُ الناسَ مجاهيلٌ لها . . . سَلَّمَ الناسُ ولم يستفسروا
أتُرى ما الروحُ ما حَلَّ بمَنْ . . . ماتَ حتّى ما لديهِ أثَرُ
ما الذي سوف يلاقي كونُنا . . . لِيقومَ العُدْمُ ... هذا البَشَرُ
أتُرى ما ذلك النفثُ الذي . . . يبعثُ الروحَ بمن قد قُبِروا

أمْ نظامٌ ثابتٌ مبتعدٌ . . . عن قوانينَ بها نحن نسيرْ
ليس فيما بيننا من شَبَهٍ . . . في ابتداءٍ ومسيرٍ ومصيرْ
عبثاً ينقادُ مَن يقتادُنا . . . لأُمورٍ شأنُها الشأنُ الحقيرْ

عَلَّنا نفقهُ ما نحن بهِ . . . من وجودٍ نحن لا نعرفهُ
فقد اعتدنا على ظاهِرِهِ . . . فنجاريهِ ولا نكشِفُهُ
نألَفُ الدهرَ على أحوالِهِ . . . لانعاديهِ ولا نسعِفُهُ
بكلامٍ قَلَّ من يعرفُهُ . . . وحديثٍ فوقَ ما نألَفُهُ

فحديثٌ قُنِصَتْ أفكارُهُ . . . من كلام الغيب أو عمق الضميرْ
كُلَّما حدَّثتُ نفسي لا أرى . . . من حدودٍ لاكتئابٍ وسرورْ
فكأنَّ الكونَ في آخِرِهِ . . . كُلُّهُ نحو سكونٍ ودُثورْ
كلُّ شيءٍ فيه معنىً زائلٌ . . . ليس شيءٌ يحمل المعنى الكبيرْ

كلُّ شيءٍ سنراهُ فوقَ ما . . . قد ألِفناهُ بتفكيرٍ جديدْ
ربَّما يبدو لنا مختلفٌ . . . إنْ تفكَّرنا به لا كالجدودْ
لِمَ لا نخرجُ عن مسلكهِمْ . . . لِمَ لا نتَّهِمُ الفِكْرَ السديدْ
إنَّما نحيا سنيناً قَصُرَتْ . . . كيف يحوي الدهرَ ذا الفكرُ الوليدْ

عَجَباً نستشعرُ الناسَ ولا . . . نرتضي عيشَهُمُ فيما نراهْ
هُمْ مساكينٌ بما لَمْ يعرفوا . . . كُلُّهُمْ يسعى على قدر مناهْ
وعلى ذاكَ نظامُ الأرضِ في . . . مَعْزِلٍ عن منهجِ الكونِ رؤاهْ
غير أنَّ العالَمَ العُلوي بهِ . . . يتسامى دون حدٍّ منتهاهْ

يتجلّى رحمةً ليس لها . . . طُرُقٌ للظُلْمِ والشكِّ الكثيرْ
عالَمٌ في كلِّ ذاتٍ رغبةٌ . . . للقوانين التي فيها يسيرْ 
غير أنَّ العيشَ فيه مُطلَقٌ . . . لانبعاث الروح والوعد الأخيرْ
فقيودٌ نحن فيها دونهُ . . . شغلتنا عنهُ بالأمر الصغيرْ

كيف يسري نحو أفكاريْ النَظَرْ 
وبها ذكرى لآلاف الصُوَرْ 
نحنُ لا نعرف كيف اتَّفَقَتْ . . . موجةُ الضوءِ وأعماقِ الفِكَرْ 
نحن في تكويننا أعقدُ مِنْ . . . أنْ ينالَ الفِكْرُ مِنّا مُستَقَرْ 
أ فَهل أعظمُ من أنظِمةٍ . . . كلُّ طولٍ قربها فيهِ قِصَرْ

أيُّ كونٍ نحنُ فيهِ ما لنا . . . لَمْ نجدْ حتّى سبيلاً لِحوارِهْ 
هل لنا عقلٌ لكي يُرشدَنا . . . أنَّ للروح سبيلاً في مسارِهْ
إن يكُنْ من عِظَمٍ مقتدراً . . . كيف نغدو فوقَ آفاقِ اقتدارِهْ .؟
فتعالى الملك الحقُ الذي . . . جعل الكون دليلاً لِاعتبارِهْ

إنْ يشأْ ما انفتحَ الكونُ . . . لنا كي نرى آياتِ خلاّقٍ عظيمْ
بوجودٍ يهتدي الفِكْرُ بهِ . . . أنّهُ من حِكَمِ الله الحكيمْ 
لو عرفنا شأننا لَانتَفَضَتْ . . . رقَّةُ التقديسِ في الفِكْرِ السليمْ
وتركنا سُبُلَ الشكِّ بربٍّ لنا أيِّ رحيمٍ وكريمْ

ذلك الرحمن أعلى قِيَماً . . . ذلك الملجأُ عمّا لا نُطيقْ
مَن ترانا كي نُداري فِكَراً . . . ضَيِّقاتٍ عن وجودٍ لا يضيقْ
فمن الأجدَرِ إنْ لَمْ نستَطِعْ . . . رؤيةَ الغيبِ نرى الماضي السحيقْ
أو نَرى في الأمس ما يُرشِدُنا . . . عن غدٍ إنْ كانَ مِن بعضِ الطريقْ

ليس يرضى الله بالجهلِ وقد . . . وَهَبَ اللهُ لنا الفِكْرَ الوجيهْ 
فمِن الأجْدَرِ أنْ لا نقتفي . . . غيرَ هديِ الله فيما نقتفيهْ 
كُلُّ شيءٍ كائنٌ في حُكمِهِ . . . لا يعي من لا يرى ما هو فيهْ 
كُلُّ حَقٍّ دونهُ مندَحِرٌ . . . كُلُّ دربٍ دونهُ فيهِ نتيهْ
--
شعر/ د. رشيد هاشم الفرطوسي
صنعاء-20/2/2000

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

إعلانات