2016/10/28

بقلم: شاهين دواجي . جماليّة النصّ المعاصر

بقلم: شاهين دواجي .
جماليّة النصّ المعاصر : قراءة في بعض أعمال د: سجال الرّكابي 
الجزء الثاني .
2-/حين تقرأ القصيدة لوحة :
هكذا سَطَعَت... ... )/ د. سجال الركابي
كيف اسْتَلَلْتَ مِن قلبي ريشةً
رسَمتَ ليلَتَكَ المُتلألِئة؟ 
ما أدراكَ؟
حين ومضَ الوجودُ!
أجنحةُ الروحِ
... ... خفقانُ نجومٍ ... تضطربُ...
عَبرَ سماواتٍ ناصعةِ الزُرقةِ !!!!
أنا وأحضانُكُم
سكينةُ ارتِواءِ العروقِ بعد اضطرابِ بحرٍ عَطِشٍ
يا أَنِّي ونجومُ نَبضي تتراقصُ في الوتين
شكراً (فان كوخ) على لوحتكِ الصادقة
لو كُنْتُ أنتَ لأسميتُها:
هكذا سطعَت دموعُ اللقاء...

U.K 1.7.2016
لوحة فان كوخ Starry night

- احاول هنا أن أمرّ على قصيدة :" هكذا سَطَعَت... ..." لأنّها تمثّل تجربة حداثيّة فريدة وهذا من خلال :
أ/العنوان الذكي الذي ينبهم منقوصا بفاعل دلّتْ عليه "تاء التأنيث" ولانعرف كنه هذا "الفاعل" إلّا حين تقترب القصيدة من نهايتها حين تمتهن الشاعرة بقيّة العنوان لترسم القفل الجميل وتترك أثرًا بعد عين سكوتها .
- ومن جهة ثانيّة ينبهم العنوان بغيّاب " المشبّه به " الذي تشير إليه أداة التّشبيه " الكاف " لتبقى الاحالة مستمرّة مادامت القصيدة تتنفس .
ب/ حوار الّرشة والقلم :
- القصيدة تحكي لحظة لقاء جميلة بين حبيبين بعد "عطش" الفراق المضني تقوم الشّاعرة بتصوير هذا اللّقاء بمجاز ذكيّ حيث تلألأت ليلة اللّقاء و"خفقت" نجوم الهوى و"ومض" الوجود تحيّة وفرحا وتقترب قليلا من الجرأة في قولها : 
* أنا و أحضانكم 
*سكينةُ ارتِواءِ العروقِ بعد اضطرابِ بحرٍ عَطِشٍ
- لتتوحّد مع الحبيب على طريقة المتصوّفة حين تنادي من أعماق الذّات : 
*يا أَنِّي ونجومُ نَبضي تتراقصُ في الوتين
- هذا ما يمكن أن نقوله عن القصيدة كقراءة لا تزعم الإلمام بكلّ الحيثيّات والتّفاصيل لأنّ ما يهمّني في هذه القصيدة شيء آخر غير مطاردة المعاني ....أولأقل مايجذب هنا هو هذا الحوار المتناغم بين قلم الشاعرة وريشة الرّسّام " فان كوخ" حيث "تقرأ "هذه قصيدة لوحة فان كوخ لتعيد تشكيلها وإنتاجها من جديد ... 
- بذكاء حاد ولغة مرنةٍ تكتب الشّاعرة لوحة " فان كوخ" بالأحرف أو لنقل بألوانٍ "مشفرةٍ" عن الرؤية البصرية لتنطلق في نفس القارئ أسئلة الحيرة والقلق : من هو صاحب اللّوحة ؟ ومن هو صاحب القصيدة؟ولن يظفر ببما يشفي لأنّ القصيدة دخلت مرحلة "خطيرةً" من " التكيّف " وفق نفس اللّوحة فصارت الوجه الثاني "للعملة " فالشاعرة في هذا التشكيل تقوم بعملين هما :
- تقديم لوحة الرّسام الى من لم يسبق له المرور بها وهذا عمل" النّقد " في الأصل ويحسب للشاعرة هنا ذكاؤها.
- أنّها قدّمت قراءة للّوحة وفق وعيها مستغلّة موهبتها في الرّسم في شعريّة طافحة لتنتج لنا نوعًا نفيسًا من التناصات هو:" التّناصّ بين الرّيشة والحرف " 
- كما قلت نعتبر هذه القصيدة من شعر الحداثة لأنّها " طينة "جديدة خرجت من بين أنامل الشاعرة وهي طريق مثير يمكن أن يسلكه غيرها من الشعراء الباحثين عن الجمال في غمار التّجريب.
2-/ قصيدة ذوبان :
أعجبني أيضا نص ذوبان : 
تذوبُ الشمعةُ
يبقى العِطرُ... ...
يُغرِقُ المَكان
تُرى هَل سَتِذكُرُني ...!!!؟؟؟
ذاتَ سأَم...؟؟؟
- في هذا النص تتوحّد الشّاعرة مع معادلها الموضوعي " الشّمعة" توحّدا يتخفّى خلف ستار السّرد عن الآخر لتنفي عن نفسها تهمة الفرديّة والنرجسيّة ...يحسب للشّاعرة هنا إجادتها تطويع رمز " الشّمعة وماله من جمالية في الذاكرة الإنسانيّة من نور وتضحيّة و,,,,,,,, 
- تذوب الشّمعة أو الشّاعرة ويبقى عطرها الذي يغطّي المكان .... 
- المنطق الشعريّ ورياضيّات الشعر يقولان أن الدّفق الشّعريّ ينتهي هنا بإنتهاء الجملة الشّعرية لكن الشاعرة تردف :
* تُرى هَل سَتِذكُرُني ...!!!؟؟؟
- مافائدة التذكّر بعد فنائنا ؟
تحسّ الشاعرة أن الأدهاش هنا غير مكتمل فتضيف :
* ذاتَ سأَم...؟؟؟ 
- لتكتمل حبكة النّصّ وروعته معا فهذه الأنثى تفنى في حب هذا الحبيب ولا تريد منه غير أن يذكرها يومًا حين يحس بالفراغ و"السّأم " وهذا قمّة في التعبير وأحالة أسلوبيّة جميلة لكأنّها تشير من طرف خفيّ إلى قول العبّاسي عبد الصّمد بن المعذّل :
لئن ساءني أن نلتني بمساءة.**** لقد سرّني أني خطرت ببالك"

3/- صلاة في محراب عدن :
مِن خِضّم معاناتي
أُحيّيكِ ...جذورَ عدنٍ
البحر ُينتظرني مفتوح الذراعين
سأتأخّر... بُرهةً
أُصلّي حيثُ هبطَ أُمّي وأبّي
- من الناحية التركيبيّة يتكون هذا النّص من ثمانية عشر مفردة فهو من أقصر النّصوص عند الشاعرة ،بالمقابل يحتوي هذا النّص على جرعة تكثيفيّة عالية من خلال التّرميز الذي يتخلّل السّياقات الشعريّة : البحر – أبي- أمّي - هبط – الجذور ...
- تحاول الشاعرة في هذه التّعويذة أن تآخي بين جرح اليمن والعراق العريق أن تصل الحبل المقطوع بين أوّل الوجود وآخره بينها وبين جذرها " آدم" لهذا تتأخر قليلا لأنّها ستعود الى بداياتها الأولى بدايات الفجر المشرق للعراق لتستمدّمنه مستقبلا مشرقا له ....تشير الشاعرة هنا من طرف خفيّ إلى فلسفة الخطيئة الأولى التي تسبّبت في نزول البشر إلى هذا العالم التّعيس المليء بالدّماء والكراهيّة ولءن كانت " التفاحة هي التي أنزلت الوجود الأوّل " آدم " من الجنان فإنّ الطّائفيّة هي التي أودت بالعراق في مستنقع الدماء .
خلاصة :
الملاحظ لشعر د: سجال يجد أحجيات لا يفكها إلّا تعوّده على نمط كتابتها وتعبيراتها في من الشّواعر اللواتي يردن التميّز في الصّناعة الشعرية بالتّجريب الدّائم للقوالب التعبيرية من خلال التفلسف والترميز والتصوير والاحالة و غير هذا من أساسات الحداثة التي نرجو أن نكون قد أشرنا الى بعضها ولو بإيجاز .

يتبع ../

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

إعلانات