2018/01/18

رحل عن عالمنا الكاتب الكبير صبري موسى --يكتبها الأستاذ مجدي الروميسي

صبرى موسى وفساد الأمكنة.. مأساة نيكولا لم تنتهِ
رحل عن عالمنا الكاتب الكبير صبري موسى صباح اليوم الخميس عن عمر يناهز 86 عاما، والذي قدم مجموعة كبيرة من الروايات والكتب، لعل أبرزها رواية فساد الأمكنة.
بضعة إجراءات مفيدة؛ لمن لا يعرفون، وتذكير لم يعرفون: صبرى موسى ليس هو "معكوسه" الصحفى الكبير، أيضا؛ لسنوات طويلة التبس الأمر على كثيرين؛ فى التجارب الشخصية: يذهب صديق بتكليف من والده لشراء كتاب سياسى عن السادات، فيتلقى تأنيبا مدويا لأنه عاد بـ"فساد الأمكنة"، الدلائل غير الشخصية لا تحصى: تبحث عن تدقيق معلومة عن فيلم "البوسطجى"- عرض فى عام 1968- فتظهر لك صورة واسم صبرى موسى، عشرات المرات يكون الموضوع الصحفى عن رواية أو قصة أو سيناريو فيلم لصبرى موسى، وتكون الصورة للكاتب الصحفي موسى صبرى.

نتحدث عن صبرى موسى، إذن، لكننا يصعب؛ إن لم يكن مستحيلا، أن نفارق الالتباس، فهو مكون أصيل فى عالمه الفنى والأدبى، ارتاح إلى؛ وربما تعمد، أن يظل سمة مائزة له، بالإضافة، طبعا، إلى تعدد انشغالاته، فهو إذ بدأ: مدرسا للرسم، تحول للصحافة، وكتابة القصة القصيرة، فالرواية، ثم السيناريو والحوار للسينما، وفى كل واحد منها كانت الأخرى حاضرة؛ فاعلة ومؤثرة.
عاد صديقى، إذن، برواية "فساد الأمكنة" بينما كان والده يبغى "السادات الحقيقة والأسطورة"، فدعنا من الأخير، ولنبقى مع الرواية.
هى الثانية بعد "حادث النصف متر"، التى صدرت فى 1962، وأبرزت جدارة صبرى موسى لكتابة رواية ذات حس لغوى وانشغال اجتماعى لافت، وحظت باهتمام وضجيج وصخب اختلط فيه التقدير النقدى بهجوم على خلفيات سياسية واجتماعية ظهر فيما بعد أنها كانت تعبيرا عن مناوشات حادة قليلا بين أجنحة فى السلطة، لن نذهب إلى "حادث النصف متر"، يكفى أن نطل على سطورها الأولى: "تمت المسألة بطريقة متحضرة محاطة بكل مظاهر الكبرياء والعظمة. كان طويلا، فانحنى وهو يقدم لى نفسه، ثم طلب منى أن أبتعد عن حبيبتى لأنه سيتزوجها! لم أكن أعرفه... لكن حبيبتى كانت قد تعودت فى الأيام الأخيرة أن تنقنق باسمه فى لذة، كأنما تهددنى به.. وقد سارع فأخبرنى أنه يتشرف بلقائى بناء على رغبتها، فأخفيت مخالبى.. وأحكمت قناع الكبرياء على وجهى وأنا أتمنى لهما السعادة معا. وسرنى جدا أن أكون متحضرا وعصريا إلى هذا الحد".
فى فبراير 1976 يقدم لنا صبرى موسى "فساد الأمكنة" هكذا: "هذه الرواية: فى ربيع عام 1963، أمضيت فى جبل (الدرهيب) بالصحراء الشرقية قرب حدود السودان، ليلة، خلال رحلتى الأولى فى تلك الصحراء.. وفى تلك الليلة ولدت فى شعورى بذرة هذه الرواية. ثم رأيت الدرهيب مرة ثانية بعد عامين، خلال زيارة لضريح المجاهد الصوفى أبى الحسن الشاذلى المدفون فى قلب هذه الصحراء عند "عيذاب". وفى تلك الرؤية الثانية للدرهيب أدركت أننى فى حاجة لمعايشة هذا الجبل والإقامة فيه، إذا رغبت فى كتابة هذه الرواية. وقد وافقت وزارة الثقافة على تفرغى من نوفمبر عام 1966 إلى نوفمبر 1967 للإقامة فى الصحراء حول الدرهيب.. للتفكير ومحاولة الكتابة... ولكننى بدأت فى كتابتها وعام 1968 فى أوله.. ثم انتهيت منها وعام 1970 لم يبدأ بعد. وقد نشرت مسلسلة بمجلة "صباح الخير" الأسبوعية خلال عامى 1969، 1970. ثم نشرت طبعتها الأولى كاملة فى العدد (204) من الكتاب الذهبى الذى صدر فى يوليو 1973 وفى عام 1974 فازت "فساد الأمكنة" بجائزة الدولة التشجيعية للرواية.. وفزت أنا بوسام الجمهورية للفنون، من الطبقة الأولى".
كثيرون يربكهم هذا التعريف، البعض يراه صياغة خبرية صحفية محايدة تتحقق فيها شروط الخبر الصحفى: الفاعل، والمكان، والزمان، والسببية، والكيفية. والبعض يراه إيماءة لوقائع سياسية واجتماعية كبرى، كأننا ونحن نعلم بمسار الرواية من: الفكرة، وتوفير الشروط، والشروع، والكتابة، والنشر، والتقدير، علينا أن نتذكر مسار وقائع كبرى، وقعت فى ما بين 1963 و1974، فى حين يرى فريق ثالث أن القصد هو تهيئة القارئ ليشد حواسه للدخول إلى "فساد الأمكنة"، لتلقى هذه الكلمات الأولى: "اسمعوا منى بتأمل يا أحبائى.. أحكى لكم سيرة ذلك المأساوى نيكولا.. هذا العجوز الذى أعطته أمه اسم قديس قديم حين ولدته فى ذلك الزمان البعيد. فى بلدة لم يعد يستطيع أن يتذكرها الآن.. ذلك الذى كانت فاجعته فى كثرة اندهاشه. وكان كل شيء يحدث أمام عينيه جديدا يلقاه بحب الطفل. لدرجة أنه لم يتعلم أبدا من التجارب".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

إعلانات