2018/01/30

((( رسالة ))) 1 -- شعر/د. رشيد هاشم الفرطوسي

((( رسالة )))
1
أنا بانتظار رسالةٍ مخطوطةٍ بأُنَيْمُلِكْ
مِن وحي أيام قضيناها ووحي تأمُّلكْ
أنا بانتظار الحبَّ رَقــــراقاً يسيلُ بهِ الـقلمْ
أنا بانتظار الشوقَ محــــترقاً بنـيرانِ الألمْ
أنا بانتظار الدمعَ ممـــتزجاً بتعبير النــدمْ

أنا بانتـظار رسـالـةٍ مُسْتلّةٍ مِن مُهجتِكْ
فلقد علمتِ بـلـوعتي وتوجُّعي فـي غيبتكْ
ولقد علمــتِ بأنـني ما كنتُ أعلمُ ما الفراقْ
فالآن صــرتُ أسايرُ الأيام فـيما لا يطاقْ
مُتلمساً آثارَ كـــأسِ الـذكرياتِ وما يراقْ

أوّاهُ كم يقسو الفراقُ عليَّ عند تذكُّرِكْ
ما كان أجملَ عيشَنا واخترتُ غيرَ تخَيُّرِكْ
آثرتُ بعداً والحيـــاةُ على التباعد مُنهِكَـةْ
آثرتُ بعداً والبعـــاد .. السيرُ نحو المَهْلكَةْ
وسَلَكْتُ درباً للبكا ما كان لي أنْ أسْلُــكَهْ

أنا بانتظار مشــاعرٍ .. مَنْ فيهِ مِثلُ مشاعِركْ ؟
فكأنما روحُ المـــلائك فيـك مِلءَ سرائركْ
أنا بانتظارك بانتظار عذوبة القــلب الكبيرْ
كي أمنح القَدَرَ التعيس عبوسة النظر الأخيرْ
لأزيحَ أستارَ البعادِ ببهـجةِ الماضـي الطهـورْ

2
أوّاه هل تدرينَ ما تَعني الرســائلُ مِن يدكْ ؟
أتُراك تلـتمـسين أوقـاتاً تـتوقُ لموعدكْ ؟
كلُّ الذي بكِ منتهى الــنبلِ العميقِ العاطفةْ
كلُّ الذي بك لا تليــــقُ به الحياةُ الزائفةْ
كلُّ الـذي بــكِ رقـةٌ نفسي عليها خائفةْ

مِن هدأة الدنيا لديــكِ ومِن براءةِ مقلتيكْ
تتأجّج الأفكارُ كالأمواجِ تقربُ شاطئيــكْ
رغم اضطرابي رغم ما بي رغم آلام اغترابي
رغم الأسى والحزن يطـــرُقُ كلَّ يوم ألفَ بابِ
فأبِيتُ مجروحَ الأماني بـين أنواعِ العَذابِ

أصـبو إلـى فجر تألَّقَ في حياتي مِــن حنانِكْ
أحيا بـروحٍ لا تغادرُ عن صفاتك أو مكانكْ
أحيا كأنَّ الدهر يمنحني السعادةَ مِن بعيدْ
مِن وحي روحك مِن فؤادٍ ليس يمنحُهُ الوجـودْ
فتهونُ عنـدي عثـرةُ الأيام والضيـق الشديدْ

3
أنا بانتظار رسالــةٍ ممزوجــة بتــعفُّفِكْ
أدَعُ الحياةَ بأسرها مُتَمَعِّنا في أحرُفِكْ
فلقد رأيتُ حقيقةَ الدنيا وآلام البَشَرْ
منذُ افترقــنا وابتدأتُ أذوق آلام العِبَـرْ
أيني أنا مِن هذه الـدنيا و أينك والقدرْ ؟

هـل أنتِ آلهةُ المشاعرِ فـي دقيقِ تأثُّرِكْ ؟
فكأنما لغــةُ المشـاعرِ جُمِّعَتْ في أسطـــرِكْ
ها أنت تأتلقين في روحِ البراءةِ كالضياءْ
كحمامةٍ بيضاءَ تشـــدو السِحْرَ في شجرِ المساءْ
لِتَبُثَّ إيحاءَ الشجــونِ لــدى تعابير النقـاءْ

إنّـي أراك خلالها روحاً بكل صراحتكْ
فكأنمــا هي كازديارك رغم بُعد مسـافتكْ
فأكـونُ منك بعالَـمٍ أنسى بهِ بُعدَ الحدودْ
بُعْدَ الأماني الخاضعات لقبضةِ القَدَرِ الحَقُودْ
أنسى الحياة أعيد أيـاما قضينا مِـن جديدْ
هَوْناً أيا ساعي البريد بأظرفٍ في جُعْبَتِكْ
لو كنتَ تعلمُ ما أعاني جئتَ لي مِن ساعتكْ
إني امتلأتُ وَساوساً وتَشَتَّتَتْ حولي الفِكَرْ
فكأنَّنـي أصــبو إلى طيـفٍ توارى واندثَـرْ
أحيا الفؤادَ وأبهَجَ الــدنيا بهِ .. لـمّا ظَهَرْ

فكأننـي في عـالم رَسَمَتْهُ ريشةُ بهجتِكْ
كلُّ الذي فيـهِ رقيــقٌ مِن عُذوبة مُهْجَتِكْ
لكـنما انقطَعَتْ رؤاهُ وغادرتْ أيّـــامُـــهُ
أحـلامُـهُ آلامُـهُ أوقــاتُهُ وكلامُـهُ
وتغيرتْ ألحانُهُ وتبــدَّلتْ أنغامُــهُ

فغدوت أحيـا عالَماً يكفيـه حزنا بابتعادِكْ
يكفي بأني لـم أجـدْ في الود أعذب من ودادكْ
بل لم أجد ودّاً بريـئاً بين أصنافِ البَشَرْ
بل لم أجـدْ روحَ الأمــانِ ولم أدَعْ سُبُل الحَـذَرْ
هو عالَمٌ ينسابُ ما بيـن الكآبةِ والكَدَرْ

ماذا جنيتُ ؟ أليس يكفيني ابتعادُك وافتقادُكْ ؟
أحيـا بآمـال السهاد ولست أعلم ما سهادُكْ ؟
أ فهـل عرفتِ مرارةَ الأيـامِ بَعـدَ رحيلها
فأرى أشدَّ عذابهـا دوما لوحي جميلها
مـا كان أقصرَها وأطولَهُ البكا لطلولها

ما كان أجملَها الأمانـي غارقات فـي عيونِكْ
فتفيضُ حبا للحياةِ على حراكِكِ أو سكونِكْ
عزَفَتْ أغانيها العِذابُ الحُزنَ في شتّى الصورْ
فكأنما خُلِــقت لكي تغدو الضحيةَ للقدرْ
وتظل تنتظر السَـفَرْ .. أواه ما أقسى الـسَفَرْ
فكأنَّهُ موتُ المشاعِرِ والمنى .. لو لاكِ
أو كالجمودِ عن الحياة فما الحياةُ سواكِ . ؟
أنا بانتظار رسالةٍ تحيي الفؤاد على البعادْ
وتغيرُ الدنيـا بقـلـبٍ بائدٍ أو كالمــبادْ
لتبثَّ فيه نشوةَ الماضي وتُـغري أن يــعادْ
فكأنها وحيٌ بروحٍ مثلَ كلَّ مواقِفِكْ
وكأنَّـها دريةُ الكلماتِ مثْلَ شَـفائفِكْ
ممزوجةٌ فيـها طِباعُكِ لـم يغيرْها البِعادْ
لـم تدن طبـع التكلُّفِ مـا بها غـير الفؤادْ
فأراك أطيـافاً تتيـهُ بهِن آونةُ الـسهادْ

فيزولُ عن عيني الكرى بين ابتعادِك واقترابِكْ
تسعى لـقلـبٍ مُطْـلقٍ لم يبتدئ حتى انتهى بِكْ
ذاق الفراقَ فظنَّ ما قد فاتَ حلماً وانقـضى
فمضى يحاولُ أنْ يُعيدَ مِنَ المودَّةِ ما مضى
هيهاتَ يُجْبِركَ الزمانُ وقـد غدوتَ مُرَضْرَضا
فمتى سيُسعفنـي كلامٌ مِن صمـيمِ خواطِرِكْ
ومتى سأحظى باخضرارٍ مِن شِعابِ عواطفِكْ
أني أعيشُ بظُلـمَةٍ فمتى سيُدرِكُني النهارْ
كيف السبيلُ لما مضى هل يُستعادُ وهل يُزارْ
هيهاتَ مـا قد فاتَ يرجـعُ إنّ ما قد صارَ صارْ

شعر/د. رشيد هاشم الفرطوسي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

إعلانات