2018/01/25

(الحُسْنُ السُّورِي) للشاعر والأديب راوند_دلعو

قصيدة على البحر الرَّاوندي :
مُفَاعِلُن فَعْلُنْ فَعِلُنْ
جوازه :
مُفَاعِلُن فَعْلُن فَعْلُنْ
كتبتُ هذه القصيدة الغنائية على البحر الرَّاوندي لأثبت السلاسة المعقولة للبحور الجديدة بشكل عام _ و هذا البحر بشكل خاص_ و من ثَمَّ قابليَّتها للتلحين و الغناء و من ثم الانتشار بين الناس ، مما يعني تكامل السِّمَة الموسيقية في النص و انسجامه مع الطبع العام ، و لأبرهن أيضاً على مدى قدرة هذه البحور على توليد المعاني التي من شأنها أن تُنافس ما قد يتم توليده على مِغزل البحور الفراهيدية القديمة ... و بالتالي تحطيم خرافة انحسار البحور بالعدد 15 .
و قد برهنتُ بهذه الخطوة على أننا نستطيع بهذه الطريقة ابتكار الأعداد الكبيرة من البحور بحسب النغمات المرغوبة ...
و قد لاحظتُ من خلال تعمُّقِي بهذه النقطة و رجوعي إلى أحد كبار العروضيين _من خلال اطلاعي على بعض رسائله في باب العروض الرقمي _ أن مسألة انحسار البحور بالعدد 15 أو 16 إنما أتت بلا دليل منطقي مُعتبر ... فمما يهدم دعوى هذه الكتابات التي تقدِّس الفراهيدي هي أن البحور أتت على شكلها الحالي بسبب استساغة الأعراب الأوائل لتلك النغمات المتلائمة مع المحيط الصحراوي آنئذ ... و لو قُدِّر َ لهم ابتكار نغمات أخرى كتلك التي نبتكرها اليوم لوصلت إلينا بحوراً أخرى غير التي نعرفها اليوم ، أما محاولات بعض العروضيين القائمة على الإيهام بوجود علاقات رياضية و ضوابط رقمية لإتيان هذه البحور على هذا الشكل فهو تكلف لا وجه له و لا منطق .... كمن يريد أن يضع معادلة ليبرر للعرب إطلاقهم لفظة شمس على الشمس أو القمر على القمر أو الحجر على الحجر .... فهذه ألفاظ سماعية لم تأت كنتيجة لمعادلة رياضية ، و كذلك البحور جاءت نتيجة أن دندناتها خطرت على بال العرب في القرنين الخامس و السادس الميلاديين و لو خطر على بالهم دندنات أخرى لوصلتنا أوزان أخرى....
فلا تصح دعوى انحسار البحور بال15 أو ال16 فقط بل هي أسطورة ... كما لا تصح دعوى حتمية بناء البحور الفراهيدية على النحو الذي وردتنا وفقه بل هي خرافة انتشرت في الأوساط الأدبية كنتيجة لطريقة تفكير مبنية على تقديس الماضي بعجره و بجره ، و أن ما كان لا يمكن أن ( يُكان ) إلا بما كان عليه ... !! و هو امتداد أدبي للتيار العقائدي الأصولي الذي يقدِّس السلف بكل ما روي عنهم من مناقب و مساوئ و تناقضات ...
فوجدتُ أن معظم من ناقشت من رجال يدافعون عن ثبات البحور الفراهيدية إنما هم من أصوليي النزعة الفكرية التي لا تقبل تجديد التراث لا جملة و لا تفصيلا .... بل ينظرون إلى أي نزعة تجديد و لو في جزئية بسيطة على أنها مؤامرة خارجية على الأمة.
فاستساغَةُ العرب في القرن السادس الميلادي لنغمات معينة (بحور الفراهيدي) لا يعني أن نحصر ذائقتنا الأدبية ضمن تلك النغمات فقط ، ثم نُحرِّم أي عمل تطويري من شأنه أن ينحت هذه الذائقة و يطورها نحو الأجمل و الأرق و المليء بالتجدد و الحيوية ....
إلى السادة ( التقالدة ) صدقوني أنتم تستطيعون تطوير البحور الفراهيدية و ابتكار ما هو أجمل و أكثر مرونة من خلال الجمع بينها تضايفاً أو تكاملاً .... و لكنني أرى أن ما يمنعكم ليس عجزكم أو كمالها ، و إنما المزروع في رؤوسكم من رؤية شمولية تؤطِّر التراث بالمقدس الذي لا ينبغي أن يُمَس ....
و بالنهاية أقول لكم إن أجيال اليوم ترفض هذه الرؤية الرجعية التي ستُصَارُ إلى مقبرة التاريخ عاجلاً أم آجلاً ... فبات هناك مئات القصائد الموزونة ببحور جديدة و منها قصيدتي هذه على البحر الراوندي .... كما أصبحت للشعر الحر كلمته العليا التي تنافس الموزون بل تفوقه من حيث العمق و حيوية التجربة الشعرية....
أنا أعرف بأن السادة التقالدة سيجابهون هذا الكلام بالتحاشي تارة و التعالي أخرى .... لكن عجلة التطور كفيلة بطحن الرث البالي و قبول الجديد فلا يصح إلا الصحيح ...
و يجب علينا أن نتوجه إلى العروض فنجددها كلياً و ننظم القصائد وفق البحور الجديدة المبتكرة و أن نقوم بتقديمها إلى الملحنين كي تنتشر كأغنيات يستسيغها الناس ... لأن الأغاني الجميلة و الألحان الرائعة هي مربط الفرس و بيضة القبان في انتشار أي عمل شعري و شهرته بين العوام اليوم.
(الحُسْنُ السُّورِي)
أيا فؤاداً مُحتَرِقا
بعِطرِ ليلى إذ عَبَقَا 
برفَّةِ الجَفنِ العَسَلِيْ
برَمشِهَا البَادِي شَفَقَاً
ففُلُّها يجرِي بِدمِي
بمائِهَا يطفُو غَدَقاً 
حريرُ كفّيْها كَفَنِي
يلُفُّنِي طبقاً طبقاً
إذا تَثَنَّت غُرَّتُها
لِخَفْقِها قَلبِي خَفَقَاً
مذاقُها بُنٌّ ، و غَدِي
بنكهَةِ البُنِّ احتَرَقا
رحيقُها وَرْدٌ دَبِقٌ
ببابِ قلبِيْ إذ طَرَقا
تحيَّرَت في مخبَئِها 
فكانَ مِن عينِي الحَدَقا

...
عبيرُها ضوعُ النَّفَسِ
جبينُها ضوئِي قبَسِي 
فيا عيوناً كالنَّعَس
تطُوفُ قلبِيْ كالعَسَسِ
كعاشِقِ الرُّوحِ احتبِسي
بروح روحي و انغَمِسِي 
و يا أغانِيَّ انبَجِسي
لِسِحرِها احتَالِي اقتَبِسي

....
صفاءُ عينَيهَا عِنَبٌ
و همسُ خدَّيهَا طَرَبٌ
بَرِيقُ جَفنَيهَا شَغَبٌ
و مُرهَقٌ قَلبِيْ تَعِبٌ
فحلوتِي حُسنٌ أدبٌ
و بحرُ خدَّيها خَبَبٌ

....
جمالُها وردٌ جُوري
و همسُها بوحُ الدّورِي
فمِيدِي يا أرضِي ثُوري
و شَعشِعِي طيفَ النُّورِ
بِرَقْصةِ الحُسنِ السُّوري

جمالُها سِحْرٌ ساري
تَغَلغَلَتْ في أحباري
و عشَّشت في أشعاري
كعَوسَجٍ يغزُو داري
ضِيا سَناها نُوَّاري
بَنَفسَجٌ في أسحاري
رَمَتْ سماها أقماري
بلؤلؤ كالزنارِ


فَرَاشُها ناغى وَسَنِي
بناعِمِ الخدِّ الحَسَنِ 
بِحُبِّها أبني مُدُني
أشيد شِعراً مِن شَجَنِي
فرِيْقُها نهرٌ عَدَنِي
و دمعها كُفرٌ وَثَني

تراقصَتْ كالكُمَّثْرَى
بحُجرةِ القلبِ اليُسرى 
فكانَ فُوها لي مَسرى
و كنتُ و الدُّنيا أسرى
لرَعشَةِ الخَصر السَّكرى
أيا فؤادي يا حسرة !!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

إعلانات