2018/03/05

أنت أيُّها الحبُّ --للشاعر حكمت نايف خولي

أنت أيُّها الحبُّ 
ما هو الحبُّ ...
ماهي حقيقتُه وجوهرُه ...
ما الذي جعلَ أنطونيو أشجعَ قادةِ روما 
يضعفُ وينهارُ أمام كليوباترا ...
ما الذي دفعَ عنترةَ يقاتلُ العالمَ من أجل عبلةَ ...
وجعلَ مجنونُ يتيه في الصحراءِ
ويموتُ قهراً وألماً من أجل ليلى ...
أباطرةٌ وملوكٌ تنازلوا عن عروشهم واستسلموا للحبِّ ....
أكوامٌ من الملاحمِ تغنَّتْ بالحبِّ وعجائبه وغرائبِه ...
ويبقى الإنسانُ يفلسفُ الحبَّ ويفسِّرُه 
ولن يصلَ أبداً لفهمِه وإدراكِ أغوارِه ....
نادراً ما يخلدُ الحبُّ الجسديُّ ويدومُ ...
محالٌ أن يكون هذا الحبُّ دافعاً
لهؤلاء الأبطال شهداء الحبِّ ...
غريبٌ ومدهشٌ أن يُحبَّ عاشقٌ محبوبته
أكثرَ من نفسِه فتصبحُ ذاتَه ويهجرُ الدنيا من أجلها ....
يسارعُ المتحذلقون بسطاءُ العقولِ ويحكمون عليه 
بالخبلِ والجنونِ وفي الحقيقةِ هم المجانين ....
لم ينعمْ عليهم القدر بنعمةِ الحبِّ الروحيِّ الخالصِ ...
نعمةٌ لا تهبطُ وتحلُّ إلاَّ على الأخصَّاءِ من البشر ....
لقاءُ أرواحٍ تتجلَّى فيه قدرةُ الله على توحيد روحينِ 
وصهرهما في مصهرِ الحبِّ الخالد .... 
من حلَّتْ عليه نعمةُ الحبِّ الحقيقيِّ بصفائِه ونقائِه وطهارتِه 
لم يعد قادراً على أن يميِّزَ ويفرِّقَ بين روحِه وروح محبوبتِه ....
هو يعيش هذا الشعور في أعماقِ ذاتِه ...
هي روحُه تعيشُ فيه ويذوبُ فيها ...
هي حياتُه تحيا فيه ويحيا لها ....
هي قلبُه بنبضاتِه ولا يخفقُ قلبُه بدونِها ...
هي نفَسُ رئتيهِ تتحجَّرُ رئتاه ويختنقُ نفسُه ويموتُ بدونِها ...
الكائنُ الروحيُّ المتواري وراءَ عباءةِ اللحمِ 
هو الذي يُحبُّ يعشقُ ويذوبُ
بالكائنِ الروحيِّ للمحبوب والمتخفِّي خلف الحواس ...
أحبُّها أهيمُ بروحِها لا أشكُّ لحظةً أنَّها روحي 
تعيشُ تتغلغلُ خلايا روحِها بخلايا روحي ...
يمتزجُ نَفَسُها بنفسي ...
عصيرُ روحِها يجري يتدفَّقُ 
ينسابُ في عروقِ وشرايينِ روحي....
كيف أشكُّ بذلك وهي لا تفارقُني 
تلتحِمُ وتعشِّشُ ببطانةِ فكري وكياني ...
يقولون وما هذا غير وهمٍ وسرابٍ وخيال ....
هم لا يرونَ الرُّوحَ ... لا يؤمنون بها ...
تغلَّبَ التُّرابُ فيهم على الجوهرِ الخالدِ ...
عميَتْ بصيرتُهم ... تلبَّدتْ أحاسيسُ روحهم 
وما عادوا يميِّزون يفرِّقونَ ويفرزون ....
ما عادوا يدركون ويفهمون ....
كم أرثي لهم ولعيونهم وأحزنُ على أرواحِهم التي
تحجَّرتْ وتشيئنتْ وتترَّبتْ .....
جفَّ عصيرُ الحياةِ فيها وتلاشى أريجُها ....
سيبقى الحبُّ يصدحُ مغرِّداً على أفنانِ القلوبِ 
والأرواحِ العاشقةِ إلى الأبد ....
حكمت نايف خولي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

إعلانات