2018/12/30

قـصَّةُ قـصـيـرةٌ-- ذكـريـات......بـقـلـم شـريـف عبدالوهاب الـعـسـيـلـي فـلـسـطـيـن


قـصَّةُ قـصـيـرةٌ
....................
ذكـريـات......
جـلـسَ مُتـثـاقـلاً عـلى الـكـرسي الـهـزّاز بـجـانبِ الـنـافـذةِ بـعـد انْ وضـعَ عـصـاهُ جـانـبـاً
اخـذَ يـتـأمَّلُ الـحـديـقـةَ الـتـي امـامَهُ التـي بـدَتْ غريـبـةٌ وحـزيـنـةٌ وكـئـيـبـةٌ بـعـيـنيـهِ رغـمَ تفـتّحُ الازهارُ وايـنـاعُ ثـمـارِ اشـجـارُ الـنـارنـجِ ، ظـلَّ ساهـيّاً مـتـفـكـراً وكـأنَّه يـسـتـمـعُ لـضـحـكـةِ طـفـلتِهِ الـجـمـيـلـةِ الـتـي مـا زالَ صـدَى ضحـكـتِهـا يـقـرعُ اذنـيْه صـبـاحَ مـسـاءَ مـنـذُ عشـريـنَ عـامـاً. هـنـا فـي هـذهِ الـغـرفـةِ كـانَ يـجـلـسُ مـنـهـمِكـاً بـالـكـتـابـةِ اذ دخلَتْ عـلـيهِ طـفـلـتُهُ ذاتَ الـخـمـسـةِ اعوامٍ وراحَتْ تـعـبـثُ بـالـغـرفـةٍ وتريـدُ مِنْ أَبـيـها انْ يـلـعـبَ مـعَهـا ، قـالَ لـهـا اذهـبي الـعـبـي خـارجَ الـغـرفـةِ فـرفَضَتْ الانـصـياعَ لأمـرِهِ فـقـالَ لـهـا : اذاً اجـلـسـي بـهـدوءٍ. نـفَّذَتْ هـذهِ الـمـرَّةُ رغـبـةَ أَبـيـهـا ولـكـنْ !!كـكُلِّ الاطـفـالِ لا يـسـتـمـرُ الـهـدوءُ اكـثـرَ مـن دقـيـقـتـيـنِ فعـادَتْ تـعـبثُ بـالـغـرفـةِ فـنـهَرَهـا هـذهِ المـرّةُ بـقـوةٍ ورفـعَ يـدَهُ لِكَيْ يـصـفـعَهـا لـكـنَّهُ أَمـسكَ نـفـسَهُ بـالـلـحـظـةِ الاخـيـرةِ. جـلـسَتْ الـقـرفـصاءَ مـولـيَّةً ظـهـرَها لأبـيْهـا فـي ركـنِ الـغرفـةِ وبـكَتْ بـصـوتٍ خـافتٍ اشـبَهَ بـالـحـشْرجَةِ ثُمَّ سـادَ الـسـكـونُ. تَفـقَّدَ طـاولـةَ الـمـكـتـبِ ولـمْ يَجـدْ ورقةَ الـمـسـوَّدةِ ؛بـحـثَ عـنْهـا فـي الـدُرجِ ولـم يَجـدْهـا؛ لَمَحَ الـورقـةَ بَيـدِ ابنـتَهُ وهيَّ تـطـويْهـا فـقـامَ الـيـهـا غـاضـبـاً ونَهَرَهـا بقوةٍ وَصـفَعَهـا هـذه الـمـرَّةُ ثـم سـألَهـا بـعـصـبـيـةٍ مـاذا تـفـعـلـيـنَ بـالورقـةِ أيَّتُهـا الـشـقيَّةُ؟
اجـاَبـتْ بـصـوتٍ امْتـزَجَ فـيـهِ الـبـكـاءُ مـعَ الـكـلـمـاتِ. كـنـتُ اضَعُ قُبـلاتـي عـلـى الورقـةِ يـا أَبـتـي حـتّى اذا سـافرْتُ مـع أُمّي تـبـقـى قـبـلاتـي مَعـكَ » قـامَ يُجَرجـرُ قـدميْهِ الـى المـكـتـبِ واخـرج ورقـةً قـديـمةً تـكـادُ تـتـمَّزقُ ثـمَّ قـبَّلَهـا واجـهـشَ بالـبـكـاءِ وقـالَ : رحـمَكِ الـلـهُ يـا عـصـفـورَتـي.
كـيـفَ يـمـكـنُ لـورقـةِ مسـودةٍ أَنْ تـكـونَ اغـلى مـنْ كـنوزِ الـكـونِ
.........................................................
بـقـلـم
شـريـف عبدالوهاب الـعـسـيـلـي
فـلـسـطـيـن


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

إعلانات