2018/12/30

قصة للفتيان رحلة الأصدقاء عادل الصفار

قصة للفتيان

رحلة الأصدقاء
عادل الصفار
النهر الكبير الذي يمر في قريتنا يمتد الى قرى أخرى بعيدة عنا، وذلك بعد مروره بطرف غابة ذات اشجار ونباتات كثيفة.. وهذه الغابة كثيراً ما يتمنى الحطابون دخولها ليجنوا منها اخشاباً يبيعونها باثمان باهظة للنجارين والبنائين لانه خشب يدخل في صناعة الاثاث والشبابيك والابواب، كما يستعمله البناؤون اعمدة لسقوف المنازل.. لذا يفوق ثمنه اضعاف ثمن الخشب الذي يستعمل وقوداً للخبز والطهي والتدفئة وصناعة الفحم.. ولكن ما يمنع الرجال من دخول هذه الغابة هو كثرة ذئابها اثناء الليل.. وذات يوم اتفق ستة من الحطابين على دخولها بعد ان جلسوا وناقشوا الامر بينهم، وتعاهدوا على الأمانة والاخلاص في التعاون للحصول على خشب جيد، وقد كانت خطتهم هي التناوب بين العمل وحراسة المكان من الذئاب. 
وفي اليوم التالي ومع بزوغ أول ضوء للفجر حملوا امتعتهم من طعام وشراب وما يحتاجون اليه اثناء رحلتهم، ثم انطلقوا بزورق كبير.
******
وبعد ان وصلوا الغابة.. ركنوا زورقهم وشدوا حباله الى الشاطئ ثم حملوا عدة عملهم واسلحتهم التي يدافعون بها عن انفسهم من خطر الذئاب، وتوجهوا للتوغل داخل الغابة.. وقبل شروعهم بالعمل جلسوا للراحة وشرب الشاي، فابتعد احدهم مسافة ليجمع بعض الاغصان اليابسة كي يجعلوها وقوداً لصنع الشاي.. وبينما هو كذلك سمع صوت انين يصدر من بين اشجار امامه، اقترب من المكان وهو يحدق فيه فاذا به يشاهد شخصاً موثوقاً بالحبال الى جذع احدى الاشجار، فما كان منه الا ان ينادي اصحابه، واتجهوا مسرعين لنجدته.. وبينما هم منشغلون في حل وثاق الرجل اسرع احدهم لإحضار قربة الماء.. وبعد ان غسلوا وجهه وسقوه قليلاً مددوه على فراش ليستعيد بعض نشاطه.. ثم نهضوا بعد شرب الشاي فوزعوا المهام بينهم، تركوا احدهم لطهي الطعام وآخر لحراسة المكان من خلال مراقبة اتجاهات الغابة، فيما انصرف الباقون للعمل..
*****
وحين جلسوا للراحة وتناول الطعام كان الرجل ما يزال مهموماً كئيباً يخيم على وجهه حزن ثقيل، لذا حاول الاصدقاء مواساته والتخفيف عنه.. خاطبه احدهم قائلاً: يا اخي دع عنك الحزن والهم وابتسم للحياة واحمد الله تعالى على سلامتك.. هيا تناول الطعام معنا فأنت متعب وجائع بالتأكيد، وبعدها سنرى ما يجب لمساعدتك.
*****
وبعد ان فرغوا حملوا الرجل في زورقهم ليوصلوه الى اقرب قرية يستطيع منها الذهاب الى بلدته بعد ان استمعوا الى حكايته إذ قال لهم: 
ـ كنت منذ زمن مضى في رحلة.. عملت خلالها وحصلت على رزق لاطفالي وزوجتي.. وحين اردت العودة طلبت من صاحب زورق ان يوصلني الى بلدتي حيث تسكن عائلتي ومن حولهم اقاربي واصحابي.. لكن صاحب الزورق ظهر انه ليس بالرجل الأمين، فما ان عرف بالمال الذي معي شهر سلاحه بوجهي وهددني بالموت.. فكانت النتيجة انه اوثقني بالحبال الى جذع الشجرة وسرق اموالي هارباً بها.. لقد كدت اموت عطشاً وجوعاً وخوفاً لولا انكم انقذتم حياتي..
فتألم الاصدقاء لحاله.. وحمدوا الله انهم استطاعوا انقاذه قبل فوات الأوان.. وجعلوا يخففون عنه هول الصدمة قائلين: المهم انك ستعود الى عائلتك سالماً.. وسيفرحون برؤيتك بعد غياب طويل.. أما المال فلا يهمك أمره مقابل عودتك سالماً..
فجأة..!! واذا بهم يشاهدون زورقاً مركوناً امامهم على الشاطئ.. حدق الرجل فيه وصرخ قائلاً: يبدو انه زورق اللص الذي سرق أموالي..!!
فهيأ الاصدقاء أسلحتهم وهم يقولون للرجل: اخفض صوتك وانتظر، سنعرف كل شيء بعد قليل..
وما ان وصلوا قرب الزورق حتى سمعوا انين شخص يتألم.. لحظات واذا بالرجل الذي معهم يجد نفسه وجهاً لوجه امام الشخص الذي سرق أمواله، وقف يحدق فيه وهو يتلوى من الألم فقد لدغته أعفى سامة وهو يقضي حاجته في هذا المكان.. فما كان من الاصدقاء الا ان يحملوه الى زورقهم.. وانطلقوا مسرعين.. وبينما هم كذلك اخرج الرجل المصاب كيس النقود من تحت ملابسه وقدمه لصاحبه قائلاً: خذ مالك.. ماذا سأفعل به وأنا أموت بسم الافعى..؟! 
فتلقفه بلهفة قائلاً: الحمد لله لقد عاد لأطفالي رزقهم.. 
لكنه في الوقت ذاته كان ينظر الى الرجل السارق المصاب بعين الحنان وهو يقول له: اشعر ان من واجبي البقاء الى جانبك في المستشفى حتى تشفى..!
فبكى الرجل المصاب.. ودمعت أعين الأصدقاء من شدة تأثرهم بموقفه النبيل وهم يرددون: بارك الله فيك.. انك خير من يقابل الإساءة بالمعروف..!!
*****
عاد الاصدقاء متجهين بزورقهم الى الغابة وقد جلبوا معهم طعاماً إضافيا يكفيهم لعدة أيام، لكنهم وصلوا مع غروب الشمس.. سمعوا عواء ذئب فشعروا بانهم مهددون فقد تهاجمهم الذئاب في اية لحظة.. قال احدهم: ماذا نفعل لا وقت لدينا لبناء ملجأ يحمينا..؟! 
فأشار عليهم آخر: دعونا نحفر حفراً حول مكاننا، ونوقد في كل حفرة ناراً..
وعلى الفور أيده الآخرون: نعم.. الذئاب لا تقترب من النار..
فانطلق اثنان منهم لجمع الحطب من أغصان يابسة وغيرها مما تناثر على ارض الغابة من اخشاب ونباتات شوكيه، فيما انشغل ثلاثة منهم في الحفر وواحد يراقب المكان بدقة وسلاحه بين يديه.. وما ان وصلت أول وجبة من الحطب حتى بدأوا بإيقاد النار.. وهكذا استمروا بالحفر وايقاد النار حتى احاطوا انفسهم بها.. لكن ذلك لم يبعد الخوف عن قلوبهم فمع اشتداد الظلام صار عواء الذئاب يشتدد اكثر فاكثر حتى ان عيونهم بدت تتراءى للأصدقاء متحدية اياهم، الذئاب تنتظر لحظة مناسبة للانقضاض عليهم مما جعلهم يفكرون على الفور في حفر ملجأ كبير يسعهم جميعاً.. فبدأ ثلاثة منهم يحفرون وثلاثة يراقبون الجهات وبين لحظة وأخرى يرمون اطلقات نارية من اسلحتهم على الذئاب القريبة منهم فيصيبون بعضها ويهرب البعض الآخر.. وهكذا صاروا يتناوبون العمل والحراسة حتى تمكنوا من حفر ملجأ بعمق متر ونصف المتر تقريباً يساعدهم على الاحتماء.. وبعد هذا العمل الشاق اتفقوا على ان يخلد اثنان منهم الى الراحة والنوم واثنان لايقاد النار وادامة اشتعالها واثنان للمراقبة وتسديد الاطلاقات نحو الذئاب التي تحاول مهاجمتهم.. وهكذا تناوبوا العمل والحراسة والراحة فيما بينهم حتى اشرقت شمس يوم جديد.. عندها خلد اربعة منهم للراحة واثنان للحراسة واعداد الطعام.. وبعد منتصف النهار قاموا بتحصين ملجأهم تحصيناً جيداً ليستطيعوا النوم بأمان ويختصروا الحراسة بشخص واحد يراقب المكان من داخل الملجأ اثناء الليل.. وفي النهار كذلك شخص واحد يراقب جميع الجهات اثناء العمل.
*****
وبعد مضي عشرة ايام ملأ الاصدقاء زورقهم الكبير بجذوع الاشجار وانطلقوا عائدين الى قريتنا والفرحة تعلو وجوههم بما جنوه من ثمار تعاونهم وجهدهم وإخلاصهم لبعضهم البعض بعهدهم الذي قطعوه على أنفسهم.. وسرعان ما انتشرت في قريتنا حكاية من تلك الغابة وهي حكاية رجل مظلوم أنقذوا حياته.. ورجل ظالم عاقبه الله تعالى فنال جزاء ما اقترفت يداه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

إعلانات