2016/05/27

هرم العمر بقلم // ياسر عبد المطلب

هرم العمر 
============
كانت الحياة تمر بأسرتي فى سعادة لم يستطيع الزمن أن يكسر يوما من إرادتنا كأسرة فقيرة مرت بالكثير من الظروف والأيام العصيبة كانت زوجتي وابنتي هما كل شيء فى هذه الحياة برغم بساطتها إلا أننا كنا نعيش أيامنا وكأننا قد ملكنا زمام الحياة وتحكمنا بزماننا .وعلى حين غرة منا وفى غفلة من الزمن الذى ظل صديقا لنا لسنوات وسنوات أخذ الموت منا حياة فرد من أسرتنا السعيدة 
ماتت زوجتي وتركتنا نعيش إنا وإبنتى غرباء فى حياة لم نعد نحس بحلاوتها ... كانت ابنتي ما زالت صغيرة لم يتعد سنها الأربعة سنوات والتى لم تكن الشمس تشرق إلا على ابتسامتها ... 
أحست ابنتي بغياب أمها التى كانت تدللها دائما .. كانت كلماتها وهى تبكى ناظرة الى فى حزن أين امى .. كم كنت أتمنى لو أخذها بين أحضاني صارخا لأخبرها بأن الحياة قد ماتت ولكنى لم أكن استطيع سوى أن انظر إليها مبتسما وفى يدي قطعة من الشيكولاته التي تحبها فتجرى لتدخل فى حضن أشعر معه بدفيء حياتي لأنظر إلى مجهول فأراها امامى تنظر إلينا بابتسامة مشرقة ... ثم تمضى بعيدا فأحس بصوت يخرج من داخل أعماقي صارخا فى صمت دون كلمات .
ومع مرور الأيام انشغلت عن ابنتي التى كنت أخشى عليها كثيرا ... وفى يوم خرجت انا وابنتي لنتفسح فأعوضها عن انشغالي فذهبت ابنتى لتلعب مع بعض الأولاد ولم يمر وقت قليل حتى وجدتها ومعها طفلة صغيرة وسيده فى مقتبل العمر يلعبون معا فى سعادة 
ولم يمر من الوقت الكثير حتى أتى الثلاثة ناحيتي فقالت ابنتي للسيدة هذا أبى وتعرفنا من خلال أولادنا .
كانت سيدة قد مات زوجها وترك لها ابنته التى كانت فى عمر ابنتي تقريبا ... 
كانت الرحلات قد ازدادت وقد ارتبطنا جميعا ببعض أنا كنت ابحث عمن ترعى ابنتي وهى كذلك .
وتزوجنا ومرت الأيام وكنت ألاحظ أن زوجتي تعامل ابنتي مثلما تعامل ابنتها وكنت أنا اعمل بالمثل فما كان يهمنى فى الموضوع هو ابنتي . ومن هنا اطمأننت على حياتنا الجديدة وتركت أمور المنزل لزوجتي وانشغلت فى حياتي المهنية .
كنت أعود من عملي مهدودا من كثرة الأعباء ... ولم أكن فى هذا الوقت قد شعرت بأن هناك تغيرا قد طرأ على ابنتى فلم تعد تنتظرنى عند الباب لترمى بجسدها الصغير بين احضانى فقط كانت تنظر إلى بنظرات كنت أراها ولكنى لم أكن اشعر بحزن تلك النظرات 
لم تعد ابنتى تحدثنى ... اشتقت لابنتى سألت نفسي لماذا ابتعدت ابنتى عنى ... 
كنت اجلس وحيدا فى غرفتي بعد أن أديت فريضة العشاء ... شاهدت طيفا ينظر الى من خلال النافذة .. نظرت إليه كانت زوجتى تنظر الى حزينة هى الأخرى .. جريت ناحية النافذة ولكنها كانت قد اختفت وتركت لى وجها أخر ينظر الى بعينان باكيتان .. نظرت يا الله إنها ابنتى رحت أسير فى غرفتى وأنا اسأل نفسى ماذا حدث ... كنت أتذكر ما كان عندما كنت أنادى عليها فكانت تأتى إلى على غير عادتها بخطى بطيئة ولم تكن ترمى بجسدها بين احضانى بل أنا الذى كنت أشدها ناحيتي ... نعم هناك الكثير مما حدث ولم أكن انتبه له نعم كنت أرى نظرات تترقبنى من بعيد ولكنى لم أكن أعير هذه النظرات اهتماما ... يااالله إنها نظرات ابنتى .
فى هذه الليلة لم ينال النوم من عيناى ... وفى صباح اليوم التالى الذى كنت أترقب صباحه ... 
كأي يوم عادى نهضت من فراشى وارتديت ملابسى وجهزت لى زوجتى الفطور ولم يكن الأولاد قد استيقظوا بعد فابنتى لا تستيقظ الا متأخرة بعض الشيء .
ودعتني زوجتي عند الباب وتركتها متوجها إلى عملى الذى لم أذهب اليه .. بل جلست على مقهى قريب من المنزل متأهبا للعوده مرة أخرى لأرى ما يحدث .... 
ولم يمر الكثير من الوقت نظرت الى ساعتى فقط خمسة عشر دقيقة .. حتى شاهدت ابنتى الصغيرة تمسك قطعة من القماش وتقف فى البلكونة تنظف بها شيش البلكونة وزوجتى تصرخ فى وجهها وابنتها تلقى بحذائها ناحيتها وهى تضحك ...
يالله ياالله هل انعدمت الرحمة فى قلب هذه الأم ... لم اكن أدرى اننى قد تركت المقهى جاريا فى الشارع لم التفت لمن كانوا ينظرون الى ولم اسمع صوت عامل المقهى وهو ينادى فلقد تركت كل متعلقاتي ورائي دون أن اشعر .. 
ولم أدرى كم مر من الوقت عندما تركت مكانى حتى وصلت الى منتصف شقتى وقد شاهدتني زوجتى فوقفت مكانها دون حراك بينما كانت ابنتها ما زالت تلقى بحذائها ضاحكة فى وجه ابنتى التى كانت تنظر إلى بعينان باكيتان نظرت إليها وقد انهمرت الدموع من عيناى نادينها جرت ناحيتى بكل ما تمتلك من قوة ألقت بجسدها بين احضانى وهى تبكى بكاء كانت قد منعته من الظهور شهورا طويلة .
نظرت إلى زوجتى ... كانت تتحدث ... ولكنى لم اكن اسمع من كلماتها الا فراغ ... 
انتى طالق .. كلمة قد نطقها لسانى فشاهدتها عيناى كقنديل معلق فى سماء الكون تمسكه زوجتى وأم ابنتى وهى تنظر الينا مبتسمة ... بينما عادت الشمس تشرق من جديد على ايتسامة ابنتى 
وكبرت ابنتى وهرمت فكانت هى من تساعدنى كانت هى من تطعمنى كانت هى من تأخذنى بين أحضانها كطفل صغير يحتاج الى حنان الام .
ومات أبى راضيا مبتسما وقد عاد صبيا فأخذني بين أحضانه بعد أن أدى فريضة العشاء وطبع قبلة على رأسى ... ما زلت أحس بدفئها بعد ان بلغت من العمر عتيا ومعى ولدى الوحيد يقوم على خدمتى وقد كانت دعوة والدى اللم اجعل من ذريتها من يكون بارا بها فى شيخوختها وعجزها .
ياسر عبد المطلب

إظهار مزيد من التفاعلات

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

إعلانات