2016/06/29

أنســــــنة القــــانون والثقـــافة العـــربية بقـــلم د. طــــارق رضــــــوان


أنســــــنة القــــانون والثقـــافة العـــربية
بقـــلم د. طــــارق رضــــــوان

* يقول عمر بن الخطاب "أن من خرق القانون لمنفعتك خرقه غدا لخراب بيتك". ويؤكد ابن خلدون على حتمية العدل وتجنب الظلم الذي يؤدي بالمجتمعات ويخرب العمران .. فالشريعة أو القانون عنده هي ضمان للعدالة بين الناس إذا ما تحققت تحقق بها عز الملك ، وعز الملك لا يتحقق إلا بالعمارة ، ولا سبيل للعمارة إلا بالعدل ، وأن العدل عند ابن خلدون مفروض بحكم آلهي . وهكذا صمم ابن خلدون نظرية العمران للمجتمع على أنه مجتمع الحكومة والرعية ؛ الدولة والمجتمع لبناء الحضارة وتعبيرها المدينة ..
ويذكــر شكسبير أن :" الرحمة جوهر القانون، ولا يستخدم القانون بقسوة إلا للطغاة" . ويقول البرت أينشتاين "كلما اقتربت القوانين من الواقع أصبحت غير ثابتة، وكلما اقتربت من الثبات أصبحت غير واقعية"
فهل شعوبنا العربية لديها وعى قانونى تام؟

** وجدت القوانين عندما ترك الإنسان مرحلة الالتقاط في الغابات، وبدأ يدخل مرحلة الرعي ثم الزراعة وما تلاها من مراحل حضارية، أي عندما ودَّع الإنسان العيش منفرداً، وبدأ يعيش في تجمعات يربط بين أفرادها علاقات، لظهور بوادر الاعتماد المتبادل، وكان هذا يعني ضمناً وجود قواعد أو قوانين تحكم هذه العلاقات.

*** ولكن هناك سؤال يطرح نفسه هل العدل في القوانين أم فيمن يطبق تلك القوانين؟ وما الفرق بين نص القانون وروحه؟ وهل تطبيق روح القانون مخالفه للقانون نفسه؟ والأجابة هى أن العدالة ليست في نصوص القانون، وإنما فيمن يطبق القانون ويفسره. فنصوص القانون ليست غاية وإنما هي السبيل للوصول إلى التطبيق بين النص وبين الإنسانية والمجتمع ويصون الإنسانية. كلنا نعلم قانونيين أو غير قانونيين أنه لا يوجد أبيض وأسود في المسائل القانونية والدليل على ذلك وجود محكمة الاستئناف ومحكمة النقض أو التمييز والمحكمة الدستورية ولتوضيح هذه المسألة لابد أن نعرف أن المشرع عندما سن القانون أورد كلمات تحمل معاني مختلفة ومواقف كثيرة ومهما حاول المشرع فستكون هناك فجوات في التشريع أو كلمات تحمل أكثر من معنى، لذا فإن روح القانون تتضح وقت تفسير النص القانوني ودراسة القضية والقانون يعطى القاضي حدودا أدنى وأقصى عند توقيع العقوبة.
ـــ وأستشهد بحادثة وقعت أيام الرسول (ص) تندرج تحت نطاق ما سبق بيانه، وهي الآتي ذكرها: جاءت امرأة زانية وكانت حاملاً إلى رسول الله (ص) لتطلب منه أن يقيم عليها الحد، كان القانون يلزم بتنفيذ عقوبة الرجم حتى الموت، ولكن الرسول (ص) تعامل مع تلك المرأة بروح القانون وبالرحمة والإنسانية وطلب منها أن تكمل حملها وعادت المرأة من جديد والطفل بين ذراعيها وبقيت مصرة على إقامة الحد عليها لكن الرسول (ص) طلب منها أن ترضع الطفل وتعتني به لمدة عامين وكان يأمل بأن لا تعود ثانية، لكنها عادت من جديد وأصرت وأقيم عليها الحد، هذه هي روح القانون، فروح القانون قبل القانون وروح الشريعة قبل الشريعة والرحمة أساس كل شيء، فقد أجّل رسولنا الكريم (ص) تنفيذ عقوبة المرأة الزانية لوجود جانب إنساني ومصلحة أولى بالرعاية من التنفيذ بالوقت الذي أذنبت فيه تلك المرأة ولم تكن مجرد مشتبه فيها.
ـــ كما أن بإحدى القضايا التي حدثت بالمحاكم الفرنسية وحسب رواية أحد القضاة شخصياً، وعندما كاد ينطق بالعقوبة ضد المتهم صرخت امرأة عجوز)الأم التي كانت متواجده بالجلسة) وهي تقول إنه ولدي الوحيد الذي يعيلني ويرعاني... فما كان من القاضي حينها إلا أن خفف العقوبة وقال من أجل صراخ أمك فقط... أما في وقتنا الحاضر وفي بلداننا العربية تحديداً فغياب روح القانون من جانب، والتعسف في تفسير النص القانوني من جانب آخر يجعل ثقة الناس بالقانون تنهار، العدالة تتلاشى، مصالح الأفراد وحقوق الإنسان تهدر، والإنسانية تتهاوى.
(خلاصة القول في هذا الإطار أرى بأن يتم ما يلي أولاً: تدريب وتهيئة القائمين بممارسة هذا الحق القانونى على حدوده وضوابطه، ثالثاً: قيام القضاء بالبحث بكل حالة وظروفها على حدة والابتعاد عن مسايرة هذا النص المتعلق بالحق المذكور والالتفات عن مسألة روح القانون وأنسنته. وعليه نتمنى من المختصين بقرارات الإفراج من العدم بذل جهد أكبر في دراسة معطيات كل حالة أو ظرف على حدة بالنسبة لكل متهم.) لذلك نأمل أن تتم الرقابة بشكل أكبر على جهات التحقيق لنتجاوز مسألة التطبيق الحرفى للنص والتعجيل بالتصرف فى القضايا وإلزامهم بتسبيب تمديد الحبس الاحتياطي ومنح المتهم فرصته في الاستئناف لقرار الحبس الاحتياطي ومناقشة أسبابه وتطبيقها على ظروفه.
ونجد أن روح القانون تتضح في القضايا الجنائية أكثر من غيرها، تلك التي تثير ملابساتها مخيلة القاضي، وما إذا كانت هناك دوافع نفسية أو عقلية أو مرضية أو حتى ظروف خاصة أدت إلى حدوث الفعل الإجرامي وهنا تظهر عند القاضي عندما يبحث في النصوص القانونية روح القانون وما أتاح النص القانوني له بتخفيف العقوبة أو وقفها. ولكن هناك قضايا تختفي فيها روح القانون وهي القضايا التي لا تحتمل نصوصها أي خيارات ولا تتيح للقاضي أي سلطة تقديرية وأبرزها قضايا القضاء الإداري
هكذا نتوجه لأولي الألباب الذين يفقهون "المقاصد العليا" الإنسانية أو الإلهية، والذين يحرصون عليها من أجل "خير الإنسان والإنسانية"، والتي يؤمن الأتقياء أنها هي ذات "المشيئة أو الإرادة الإلهية"، نقول لهم أن تحقيق هذه المشيئة يحتاج إلى "وسيلة" أي "قوانين" جيدة ومناسبة، ولكي تكون الوسيلة كذلك لابد وأن تتسق مع ظروف الحياة المتغيرة، فهي أن ظلت ثابتة ولم تواكب متغيرات الحياة ستفشل في تحقيق الغاية، بل وقد تؤدي للمضاد "للغاية" التي كانت في يوم ما تحققها، وكذا الأمر بالنسبة "للعقوبات" و"الإجراءات"، فثباتها لن يؤدي إلا إلى فشلها في تحقيق الغايات القريبة ومن ثم الفشل في تحقيق "الغاية النهائية".
لا أجد ثمة داع لأن أعقب هذه الكلمات بكلمات أخرى تضع النقاط على الحروف، فالأمر واضح لكل ذي عينين، أما من عشت عيناه وانغلق عقله وقلبه، فلا فائدة من أي كلمات مهما كانت قوية لتفتح ما انغلق من فهمه. . أتعشم أن أكون بهذه الكلمات "قد ناديت حياً"، وأن "أجد حياة فيمن أنادي"!!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

إعلانات