2017/01/04

الشاعر يحيى بن يوسف الصرصري __بقلم د فالح الكيلاني

موسوعة شعراء العربية
المجلد السابع \ شعراء الفترة الراكدة
( الشاعر يحيى بن يوسف الصرصري )
هو ابو زكريا جمال الدين يحيى بن يوسف بن يحيى بن منصور بن المعمر عبد السلام الصرصري البغدادي الانصاري .
ولد في قرية (صرصر) القريبة من بغداد سنة 588 هجرية - 1192 ميلادية . تبعد عنها بفرسخين . ارتحل من القرية وسكن بغداد وكان ضريرا منذ طفولته .
درس وتعلم في بغداد حتى صار علما من اعلام اللغة والادب والفقه والسنة والزهد والتصوف . وقد نظم قصيدته في المولد النبوي لسنة\ 649 هجرية ، في ذكرى المولد الشريف، منها :
يا شهرَ مولدِ خير العُربِ والعجمِ
لأنتَ حقاً ربيعُ الفضلِ والنعمِ
بشرتنا بنبيٍ نورُ طلعتِهِ
عن البسيطةِ جلاّ حندس الظلمِ
ويقول في آخرها:
لا زلت في نفحات القدس في مددٍ
ومن مزيد الرضا والقرب في نعمِ
ونال من فضل ما أعطيت آلك والـ
أبرار أصحابك الموفون بالذممِ
والتابعون بإحسان ومشيخةٌ
إلى الطريقة دلونا بهديهمِ
كالعارفِ العدل تاج العارفين ابي
الوفاء، والقطب عبد القادر العلم
وكابن إدريس ذي الحال الشهير أتى
فكان بعدهمُ عنوانَ سرهمِ
ما زال متبعاً آثارَ شرعتك الـ
ـبيضاء وعن حكمها المحمود لم يخم
فهم وأمثالهم أعيان أمتكَ
النزاع من عرب عرباء أو عجم
في كل عصر لنا منهم شموس هدى
إذا عرى الجدب يستسقى الحيا بهم
وإن طغى حادث عذنا بهم وإذا
حلوا قبورهم عذنا بترتبتهم
نصفيهم ما حيينا ودنا فإذا
متنا نموت على إخلاص حبهم
صحب الشيخ علي بن إدريس وهذا هو( ابو ادريس المدفون في مدينة بعقوبة تلميذ الشيخ عبد القادر الكيلاني الحسني ) وكان ذكيا يتوقد نورا، وكان ينظم على البديهة سريعا أشياء حسنة فصيحة بليغة، وقد نظم الكافي الذي ألفه موفق الدين بن قدامة، ومختصر الخرقي وأما مدائحه في رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقال إنها تبلغ عشرين مجلدا، وما اشتهر عنه أنه لم مدح أحدا من المخلوقين من بني آدم إلا الانبياء.
وقف أبو سليمان جمال الدين الصرصري يوما على المنبرولما وقف
قال ارتجالا ولم يدر في خلده أن أحدا سيكتب قوله:
أَنَا الْعَبْدُ الَّذِي كَسَبَ الذُّنُوبَا
وَصَدَّتْهُ الْأَمَانِي أَنْ يَتُوبَا
أَنَا الْعَبْدُ الَّذِي أَضْحَى حَزِينًا
عَلَى زَلَّاتِهِ قَلِقًا كَئِيبَا
أَنَا الْعَبْدُ الَّذِي سُطِرَتْ عَلَيْهِ
صَحَائِفُ لَمْ يَخَفْ فِيهَا الرَّقِيبَا
أَنَا الْعَبْدُ الْمُسِيءُ عَصَيْتُ سِرًّا
فَمَا لِي الْآنَ لَا أُبْدِي النَّحِيبَا
أَنَا الْعَبْدُ الْمُفَرِّطُ ضَاعَ عُمُرِي
فَلَمْ أَرْعَ الشَّبِيبَةَ وَالْمَشِيبَا
أَنَا الْعَبْدُ الْغَرِيقُ بِلُجِّ بَحْرٍ
أَصِيحُ لَرُبَّمَا أَلْقَى مُجِيبَا
أَنَا الْعَبْدُ السَّقِيمُ مِنْ الْخَطَايَا
وَقَدْ أَقْبَلْتُ أَلْتَمِسُ الطَّبِيبَا
أَنَا الْعَبْدُ الْمُخَلَّفُ عَنْ أُنَاسٍ
حَوَوْا مِنْ كُلِّ مَعْرُوفٍ نَصِيبَا
أَنَا الْعَبْدُ الشَّرِيدُ ظَلَمْتُ نَفْسِي
وَقَدْ وَافَيْتُ بَابَكُمْ مُنِيبَا
أَنَا الْعَبْدُ الْفَقِيرُ مَدَدْتُ كَفِّي
إلَيْكُمْ فَادْفَعُوا عَنِّي الْخُطُوبَا
أَنَا الْغَدَّارُ كَمْ عَاهَدْتُ عَهْدًا
وَكُنْتُ عَلَى الْوَفَاءِ بِهِ كَذُوبَا
أَنَا الْمَهْجُورُ هَلْ لِي مِنْ شَفِيعٍ
يُكَلِّمُ فِي الْوِصَالِ لِي الْحَبِيبَا
أَنَا الْمَقْطُوعُ فَارْحَمْنِي وَصِلْنِي
وَيَسِّرْ مِنْكَ لِي فَرَجًا قَرِيبَا
أَنَا الْمُضْطَرُّ أَرْجُو مِنْكَ عَفْوًا
وَمَنْ يَرْجُو رِضَاكَ فَلَنْ يَخِيبَا
فَيَا أَسَفَى عَلَى عُمُرٍ تَقَضَّى
وَلَمْ أَكْسِبْ بِهِ إلَّا الذُّنُوبَا
وَأَحْذَرُ أَنْ يُعَاجِلَنِي مَمَاتٌ
يُحَيِّرُ هَوْلُ مَصْرَعِهِ اللَّبِيبَا
وَيَا حُزْنَاهُ مِنْ نَشْرِي وَحَشْرِي
بِيَوْمٍ يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبَا
تَفَطَّرَتْ السَّمَاءُ بِهِ وَمَارَتْ
وَأَصْبَحَتْ الْجِبَالُ بِهِ كَثِيبَا
إذَا مَا قُمْتُ حَيْرَانًا ظَمِيئَا
حَسِيرَ الطَّرْفِ عُرْيَانًا سَلِيبَا
وَيَا خَجَلَاهُ مِنْ قُبْحِ اكْتِسَابِي
إذَا مَا أَبْدَتْ الصُّحُفُ الْعُيُوبَا
وَذِلَّةِ مَوْقِفٍ وَحِسَابِ عَدْلٍ
أَكُونُ بِهِ عَلَى نَفْسِي حَسِيبَا
وَيَا حَذَرَاهُ مِنْ نَارٍ تَلَظَّى
إذَا زَفَرَتْ وَأَقْلَقَتْ الْقُلُوبَا
تَكَادُ إذَا بَدَتْ تَنْشَقُّ غَيْظًا
عَلَى مَنْ كَانَ ظلَّامًا مُرِيبَا
فَيَا مَنْ مَدَّ فِي كَسْبِ الْخَطَايَا
خُطَاهُ أَمَا أَنَى لَكَ أَنْ تَتُوبَا
أَلَا فَاقْلِعْ وَتُبْ وَاجْهَدْ فَإِنَّا
رَأَيْنَا كُلَّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبَا
وَأَقْبِلْ صَادِقًا فِي الْعَزْمِ وَاقْصِدْ
جَنَابًا نَاضِرًا عَطِرًا رَحِيبَا
وَكُنْ لِلصَّالِحِينَ أَخًا وَخِلًّا
وَكُنْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا غَرِيبَا
وَكُنْ عَنْ كُلِّ فَاحِشَةٍ جَبَانًا
وَكُنْ فِي الْخَيْرِ مِقْدَامًا نَجِيبَا
وَلَاحِظْ زِينَةَ الدُّنْيَا بِبُغْضٍ
تَكُنْ عَبْدًا إلَى الْمَوْلَى حَبِيبَا
فَمَنْ يَخْبُرْ زَخَارِفَهَا يَجِدْهَا
مُخَالِبَةً لِطَالِبِهَا خَلُوبَا
وَغُضَّ عَنْ الْمَحَارِمِ مِنْك طَرْفًا
طَمُوحًا يَفْتِنُ الرَّجُلَ الْأَرِيبَا
فَخَائِنَةُ الْعُيُونِ كَأُسْدِ غَابٍ
إذَا مَا أُهْمِلَتْ وَثَبَتْ وُثُوبَا
وَمَنْ يَغْضُضْ فُضُولَ الطَّرْفِ عَنْهَا
يَجِدْ فِي قَلْبِهِ رَوْحًا وَطِيبَا
وَلَا تُطْلِقْ لِسَانَكَ فِي كَلَامٍ
يَجُرُّ عَلَيْكَ أَحْقَادًا وَحُوبَا
وَلَا يَبْرَحْ لِسَانُكَ كُلَّ وَقْتٍ
بِذِكْرِ اللَّهِ رَيَّانًا رَطِيبَا
وَصَلِّ إذَا الدُّجَى أَرْخَى سُدُولًا
وَلَا تَضْجَرْ بِهِ وَتَكُنْ هَيُوبَا
تَجِدْ أُنْسًا إذَا أُوعِيتَ قَبْرًا
وَفَارَقْتَ الْمُعَاشِرَ وَالنَّسِيبَا
وَصُمْ مَا اسْتَطَعْت تَجِدْهُ رِيًّا
إذَا مَا قُمْتَ ظَمْآنًا سَغِيبَا
وَكُنْ مُتَصَدِّقًا سِرًّا وَجَهْرًا
وَلَا تَبْخَلْ وَكُنْ سَمْحًا وَهُوبَا
تَجِدْ مَا قَدَّمَتْهُ يَدَاكَ ظِلًّا
إذَا مَا اشْتَدَّ بِالنَّاسِ الْكُرُوبَا
وَكُنْ حَسَنَ السَّجَايَا ذَا حَيَاءٍ
طَلِيقَ الْوَجْهِ لَا شَكِسًا غَضُوبَا
فيا مولاي جد بالعفو وارحم
عبيداً لم يزل يشكي الذنوبا
وسامح هفوتي وأجب دعائي
فإنك لم تزل أبداً مجيبا
وشفِّع فيّ خير الخلق طراً
نبياً لم يزل أبداً حبيبا
هو الهادي المشفّع في البرايا
وكان لهم رحيماً مستجيبا
عليه من المهمين كل وقتٍ
صلاة تملأ الأكوان طيبا
ولما دخل التتار إلى بغداد دعاه بالحضور اليه ذارئها (كرمون بن هلاكو) فأبى الصرصري أن يجيب إليه، وأعد في داره حجارة ، فحين دخل عليه التتار داره رماهم بتلك الاحجار فهشم رؤوس جماعة منهم ، فلما خلصوا إليه قتل بعكازه أحدهم ، ثم قتلوه شهيدا وله من العمر ثمان وستون سنة.
وكان استشهاد الصرصري سنة \ 656 هجرية -1258 ميلادية يوم استشهد ت بغداد على يد هولاكو .
قال عنه ابن كثير:
( الصرصري المادح , الماهر , ذو المحبة الصادقة لرسول الله صلى الله عليه وسلم . يشبه في عصره بحسان بن ثابت رضي الله عنه)
وقال ابن القيم فيه :
( حسان السنة في وقته المتفق على قبوله الذي سار شعره مسيرة الشمس في الآفاق واتفق على قبوله الخاص والعام أي اتفاق ولم يزل ينشد في المجامع العظام ولا ينكر عليه أحد من أهل . وكان معظم شعره في مدح رسول الله صلى الله عليه وسلم، وديوانه في ذلك مشهور معروف غير منكر، ويقال إنه كان يحفظ صحاح الجوهري بتمامه في اللغة.)
يتميز شعره بالسلاسة والبلاغة وقد طفح ديوانه بقصائد في مدح الحبيب المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم .
ترك اثارا دينية ولغوية وادبية كثيرة منها :
• ديوان الصرصرى
• معارج الأنوار في سيرة النبي المختار
• نونية الصرصري
• قصيدة في مدح النبى الصرصرى.
• المختار من نظم الشيخ يحيى
• الدرة اليتيمة والمحجة المستقيمة
• منظومة في قصة يوسف
• مختصر الكافي
• زوائد الكافي في فقه الإمام أحمد
• قصيدة دالية طويلة في الفقه الحنبلي تبلغ \ 2774 بيتا
واختم بحثي بهذه القصيدة في مدح الرسول الحبيب المصطفى محمد صلوات الله عليه وسلامه :
محمد المبعوث للناس رحمةً
يشيِّد ما أوهى الضلال ويصلح
لئن سبَّحت صُمُّ الجبال مجيبة
لداود أو لان الحديد المصفح
فإن الصخور الصمَّ لانت بكفه
وإن الحصا في كفه ليُسَبِّح
وإن كان موسى أنبع الماء بالعصا
فمن كفه قد أصبح الماء يَطفح
وإن كانت الريح الرُّخاءُ مطيعةً
سليمان لا تألو تروح وتسرح
فإن الصبا كانت لنصر نبينا
ورعبُ على شهر به الخصم يكلح
وإن أوتي الملكَ العظيم وسخِّرت
له الجن تسعى في رضاه وتكدح
فإن مفاتيح الكنوز بأسرها
أتته فرَدَّ الزاهد المترجِّح
وإن كان إبراهيم أُعطي خُلةً
وموسى بتكليم على الطور يُمنح
فهذا حبيب بل خليل مكلَّم
وخصِّص بالرؤيا وبالحق أشرح
وخصص بالحوض الرَّواء وباللِّوا
ويشفع للعاصين والنار تَلْفح
وبالمقعد الأعلى المقرَّب ناله
عطاءً لعينيه أَقرُّ وأفرح
وبالرتبة العليا الوسيلة دونها
مراتب أرباب المواهب تَلمح
ولَهْوَ إلى الجنات أولُ داخلٍ
له بابها قبل الخلائق يُفْتَح
اميرالبيــــــان العربي
د فالح نصيف الحجية الكيلاني
العراق- ديالى - بلدروز
******************

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

إعلانات