2017/06/15

الحكمة و البيان و الدقة في القرآن الكريم بقلم ا. علي وطّــاس

الحكمة و البيان و الدقة في القرآن الكريم 
-
أعود بكم الى سورة الكهف و الى حرف آخر يضاف أو يحذف لتظهر الدقة 
و يتجلى البيان في كلمات القرآن الكريم
و في نفس الآية " إنك لن تستطيع معي صبرا " سنجد مرة أخرى تجليات القرآن 
و فصاحة اللغة العربية و كمالها و هيمنتها على اللغات الأخرى و حكمة الله في إضافة حرف أو حذفه
فبعد أن قبل موسى عليه السلام الشرط الذي اشترطه العبد الصالح " فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا " انطلقا ...
و لما ركبا السفينة خرقها العبد الصالح فاستنكر ذلك موسى عليه السلام وقال " أخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئا إمرا " 
فكان جواب العبد الصالح " ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا " هذا الجواب هو نفس الكلام الذي قاله العبد الصالح لموسى حين طلب منه أن يرافقه عند التقاءهما ليتعلم منه حين قال له " إنّـك لن تستطيع معي صبرا "
لم يشر العبد الصالح الى الفعل الذي فعله في رده انما اكتفى فقط بالاشارة الى ضعف موسى و عدم قدرته على الصبر و التحمل لأن الفعل الذي قام به العبد الصالح هو مأمور بفعله و ليس له القدرة على مخالفته أو التعقيب عليه و لا يهمه ما سينتج عنه لأنه من علم الله لا من علم العبد الصالح فاقتصر الردّ على حالة موسى لا على محتوى الفعل 
و اعتذر موسى للعبد الصالح و انطلقا من جديد 
و عندما لقيا غلاما قتله العبد الصالح فاهتزّ موسى و تأثّر تأثّرا كبيرا و قال مستنكرا :
" أقتلت نفسا زاكية بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا " 
و هنا أيضا لم يشر العبد الصالح الى الفعل الذي فعله انما اكتفي بالتاكيد ان موسى لن يتحمل ما يفعل العبد الصالح الذي يسير وفق خطة وضعها الله جل جلاله لا يحيد عنها فقال له : 
" ألم أقل لك إنّـك لن تستطيع معي صبرا "
هناك فرق بين الآيتين 
1- عند اندهاش موسى من خرق السفينة قال العبد الصالح " ألم أقل إنّـك لن تستطيع معي صبرا "
2- عند قتل الغلام قال العبد الصالح " ألم أقل لك إنّـك لن تستطيع معي صبرا "
الفرق بين الآيتين هي كلمة من حرفين " لك " لام الجر و تفيد هنا التعيين و التخصيص و كاف المخاطب التي تفيد ايضا التعيين و التخصيص و كلا الحرفين يشيران و يعنيان موسى عليه السلام 
فالعبد الصالح لم يشر الى الأفعال التي فعلها في ردّه ليقنع موسى أو يوضح له إنّـما اكتفى فقط بإظهار ضعف موسى عن تحمل غيبيات فيها حكمة من الله في تدبير خلقه و شؤون عباده لا يمكن لموسى أن يتحمّلها أو يدركها رغم أنه رسول و نبي و كليم الله 
و كأنّ العبد الصالح يقول لموسى يا موسى إنّـي مأمور فتكفّل أنت بالرسالة التي أولاك الله إياها واكتف بها و لا تتدخل في أشيـاء أخرى ليست من اختصاصك فأكّــد له في المرة الثانية قائلا 
" ألم أقل لك " أي ألم أنبّهك من قبل يا موسى " إنك لن تستطيع معي صبرا " 
فتعالى الله الملك الحق الذي أنزل القرآن بلسان عربي فيه من البيان و الحكمة ما تعجز اللغات الأخرى عن استيعابها و يفعل فيها الحرف من الدقّــة ما لا طاقة للغات اخرى 
لا الاه إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين 
تقبل الله صيامكم و غفر ذنوبكم 
علي وطّــاس


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

إعلانات