2018/02/04

شعراء الاندلس (4) • ولادة بنت المستكفي (1001 - 1091م) يكتبها الأديب رضا الحمامصي


شعراء الاندلس (4)
• ولادة بنت المستكفي (1001 - 1091م)
هي أميرة عربية وشاعرة معلاة من بيت الخلافة الأموية في الأندلس عرفت بفراشة العصر الأموي، لم يخبرنا مؤرخو الأدب عن تاريخ دقيق لمولدها وإن حددوا على وجه أقرب للدقة تاريخ وفاتها، فقد ذكروا أنها عمرت وماتت عن عمر يبلغ التسعين عاما، ما يكشف بعض الشئ عن تاريخ مولد الشاعرة العاشقة ولادة بنت المستكفي، فهذه الأميرة الفائقة الحسن هي إبنة الخليفة المستكفي بالله الأموي الذي إستولى على الخلافة في الأندلس , أمها جارية إسبانية اسمها "سكرى"، ورثت عنها بشرتها البيضاء، وشعرها الأصهب، وعينيها الزرقاوين

بعيد وفاة والدها وسقوط الخلافة الأموية في الأندلس فتحت ولادة أبواب قصرها لتتخذ فيه مجلسا أشتهر في قرطبة يؤمه الأعيان والشعراء ويتحدثون فيه في شؤون الشعر والأدب فكانت تساجلهم وتنافسهم وقد ورد في كتاب الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة لإبن بسام قوله: كانت في نساء زمانها واحدة أقرانها، حضور شاهد، وحرارة أوابد، وحسن منظر ومخبر، وحلاوة مورد ومصدر. 
تشتهر ببيتين شهيرين من الشعر قيل أنها كانت تكتب كل واحد منهما على جهة من ثوبها:

أنا والله أصلح للمعالي 
وأمشي مشيتي وأتيه تيهاً
أمكن عاشقي من صحن خدي 
وأعطي قبلتي من يشتهيها
وكانت مع ذلك مشهورة بالصيانة والعفاف وقد شكك بعض الباحثين رغم ذلك حول خلقها وسلوكها وإن أقروا بشاعريتها وبجاذبية شخصيتها وحضورها وحسنها مظهرا وجوهرا. مما زاد من شك هؤلاء الباحثين ما نسب من شعر إباحي للأميرةالعاشقة نعف عن ذكره .
وروي أن ابن زيدون تعلق بجارية سوداء بارعة في الغناء ليثير غيرة ولاّدة فتعُود إليه بعد أن انصرفت عنه وقد عاتبت ولاّدة ابن زيدون قائلة:

لَو كنت تنصفُ في الهوى ما بيننا 
لم تهوَ جاريتي ولم تتخيّرِ
وَتركتَ غصناً مثمراً بجماله 
وجنحتَ للغصنِ الذي لم يثمرِ
ولقد علمت بأنّني بدر السما 
لَكن دهيت لشقوتي بالمشتري
وفي احدي الروايات قيل أن تعلق ابن زيدون بالجارية كان سببا قويا في جفاء ولادة معه وأنها أرادت ان تجازيه غيظاً فألقت شباكها على رجل قليل الذكاء وواسع الثراء هو الوزير أبو عامر بن عبدوس منافسه في حبها , ثم قطعت علاقتها بابن زيدون.
في مجلسها هام بها إبن زيدون وملكت عليه قلبه وتعلقت هي به وأحبته بعمق وجهرت بعشقها له إذا غاب عنها وأصبحت قصة حبهما مضرب الامثال فلا يذكر ابن زيدون بدون ذكر محبوبته ولاَّدة .
تقول:
ألا هل لنا بعد التفرق سبيل
فيشكو كل صب بما لقي..
وقد كنت أوقات التزاور في الشتا
أبيت علي جمر من الشوق مُحرقِ..
فكيف وقد أمسيتُ في حال قطعه
لقد عجل المقدور ماكنت أتقي..
تمر الليالي لا أرى البين ينقضي
ولا الصبر من رق التشوق معتقي..
سقى الله أرضا قد غدت لك منزلا
بكل سكوب هاطل الوبل مغدقِ

على كل لسان عاش بن زيدون أياما سعيدة مع أميرة حبه ولادة وقد أفصح لنا عن بعض تفاصيل علاقته بولادة فقد جاء على لسانه قوله: كنت في أيام الشباب وغمرة التصابي هائما بغادة تدعى ولادة فلما قدر اللقاء وساعد القضاء كتبتَ إلي تقول:
ترقب إذا جن الليل زيارتي
فإني رأيت الليل أكتم للسر..
وبي منك ما لو كان بالبدر ما بدا
وبالليل ما أدجى وبالنجم لم يسر..!

خاتمة :
عاشت ولادة حتى سن التسعين تقريبا، ولم تتزوج قط . توفيت في عام 1091 في نفس اليوم الذي غزا فيه الموحدون قرطبة. وكان موتها إيذانا بغروب شمس الأدب في تلك المدينة الزاهرة.
توارى اسم ولادة في التاريخ الأدبي على حين علا نجم ابن زيدون. ولكن مجموعة من الشواعر الإسبانيات في ثمانينات القرن الماضي شرعن ينشرن قصائدهن في مجلة اسمها «ولادة». وبذلك عادت إلى الأذهان ذكرى المرأة التي سحرت أدباء عصرها وساسته.
ومع تصاعد الحركة النسوية أصدرت الشاعرة الإسبانية ماجدالينا لاسلا في 2003 رواية عن ولادة. وأعدت الشاعرة السورية مرام المصري ديوانا شعريا ثنائي اللغة (بالعربية والفرنسية) عنوانه «عودة ولادة». واليوم يقوم في أحد أحياء قرطبة عمل نحتي، يمثل يدين تتلامسان في محبة ورفق، تكريما لذكرى ولادة وابن زيدون، عاشقي قرطبة اللذين غدت قصتهما أسطورة.
والى لقاء مع شاعر من شعراء الاندلس بمشيئة الله.

المراجع:
- دراسات ذات علاقة 
- ولاّدة وابن زيدون , تأليف عبد الرازق مجيد الهلالي, بغداد , طبعة المعرف 1947
- قصة الشاعرة ولادة بنت المستكفي - بقلم: أسعد الطيب العباسي
- ولادة بنت المستكفي – عودة مع تصاعد الحركة النسوية - د. ماهر شفيق فريد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

إعلانات