2019/06/21

ذالك الرجل المنتهي ...محمد محجوبي الجزائر

ذالك الرجل المنتهي 
...
حين تحركه أصابع الوهم في ضجيج زمن متأخر لم يجد ذالك الرجل شيئا من دفين شموعه الذابلات . لم يجد في الفضاء مغريات هوائه المنحسر الحيز . ولا في جعبة قلبه حبة من فيئ ذالك الوادي الذي داوم على سمفونيات ماء فنان يكحل عيون العشب ويداعب نشوة الشجر الجذلان . في تخمة الزمن كان الرجل المنتهي يتورد بمسك الحياة على جسم المزرعة الغض وهي تحبك وسادات الغناء لكل طارق تتوسمه المواسم فارس الشعاب تشربه طلاسم القباب المنتشرة عسلا لخصب الوجود اللاهف كبده الولهان . من هنا وهناك تنامى وجد أسر قلب الرجل المنتهي حتى قطيعة الغيم تتخلله مقامع السطو وهي على ضلال تستحكم وثاق المزرعة التي هي الأخرى هزمها عفن من جراد بغيض فتغطرس الفراغ شتاء المزرعة بعدما فارقها موسم الهطول . واستوى عليها عقم يمرر عطش المراعي الباكيات . في ذخيرة اللغة لم يتبقى حرف ينبض من براعم الرمان الذي ودع خصب الندى في اعوجاج المدى . ولا أثرا من عنفوان الصنوبر الذي اعتاده الرجل المنتهي سليل أعراس يجلب الفأل لسعد السنابل في انتفاضات فرح يطوف مدن العالم ليعود إلى بطن الوادي فيحبل الماء بكائنات تتموج من تلقاء التغريد أخيلة مورقة ليصحو بها عنب المروج في عصيرها المعتق حيث يكون الرجل المنتهي أمير أسمار تهدهد الحلم على أغصان الشعر . كان ذالك قبل أن تتسلل بوم أفزعت الوجدان لينتفض القناص في ملإ أشلاء تحالفت قفارها فانقبض الرجل المنتهي يهذي ضحكاته المميعة . يتوسل مرثياته أن تخفف وطئ المواجع تخدش حياء الزهر . تتلعثم الشفاه . اندفع القدر من بين عينيه ومن قفصه المهزوز يساوره وحش العزلة رياح مكشرة . وهو على عقرب الضجيج يتكتل فيه واليه مر الإصفرار . يحاول التستر على حدقاته الجامدة الدموع . كأنما يكون في خريف عبور تساقط على توجساته أوراق زواج تتناثر في زوبعات فراغها المسكون . قد يكون الرجل المنتهي نسخة منتهية من شيخ هرم على ضفة الوادي أحتجزه قبر التردي على جوار منسي ليبتلع وصيته في ليل داهم . قد يكون يتيم سرب طيور سقط من سلة التحليق ليشقى بورم أجنحته ينخرها نمل متربص السوانح حين ينهزم الفرسان يغمضون عيونهم المتلاومة . يتيهون كهوفهم حتى لا يراهم أمير ملح يحلب من غيهم دما مشاعا سائغا النائمين .
طفق الرجل المنتهي يعالج ورم الرحلة . لا يتشكى من أشواك ليله التي وقعت بكاءه على دامس الفناء تلغي مراميه المقضومة الزمن وأنين الجدران يرسخ عتماته بواسع الانبهار . فهو لا يذكر سوى خنادق التراب التي عشعشت في ذاكرته المهشمة . حينما كان يتوارى سحيق عمر ناصب الزهور بكاءها . لا يذكر للمزرعة شكلها الذي داهمته حشرات سربها جفاف . قد لا يذكر حمم الحيتان التي توهمها ذات شباب مطية لبلوغ العشب البعيد . 
هكذا بقي الرجل المنتهي على زاوية الجنون يقبل عنوة الأشباح ثم يجف من بعض خصاصه ليتوارى في منتهاه الغريب .

محمد محجوبي 
الجزائر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

إعلانات