2016/10/06

من هو الصديق الوفيّ ؟؟ نافذة على قلوب المحبين بقلم الدكتور محمد القصاص

من هو الصديق الوفيّ ؟؟
نافذة على قلوب المحبين
بقلم الدكتور محمد القصاص

يصاب المرءُ بحيرة عظيمة ويغالبه التعب أحيانا حينما يمضي حياته باحثا عن صديق مخلص وفيٍّ في هذه الحياة ، وقد يتعرض خلال بحثه إلى ألف مصيبة وألف صدمة وألف عثرة وألف خيبة أمل .
الكثير منا يُحبط ويصاب بالدهشة ، حينما يتخذ صديقا من بني البشر ، يعيش معه على الحلوة والمرة ، ويدخره ليوم المصاعب والملمات ، فيعيش وإياه أسعدَ لحظات حياته ، وتتصدر أولويات البحث عن الصديق المخلص ، هو أن نجد صديقا عاقلا أمينا صادقا ، والغاية من اتخاذ صديق في الحياة ، كما هو معلوم للجميع ، ليس من أجل الإنفاق عليه أو إطعامه ، ولا من أجل أن ينال منه الأعطيات والهدايا والهبات ، ولكن الصديق في أغلب الأحيان يكون سترا لمعايب صديقه ومستودعا لأسرار صاحبه ، لا يمكن أن يفشي أسراره مهما كانت لأي أحد مهما كانت الأسباب .

قديما كان يقال في الأمثال : رُبَّ صديق لك لم تلده أمك . وهذه قد لا تجانب الحقيقة في كثير من الأحيان ، مع يقيني بأنَّ نِسبَ الوفاء تتفاوت في المجتمعات بين مجتمع وآخر ، وبين رجل ورجل ، وبين جيل وجيل ، وبين صديق وصديق ..
المهم في الأمر ، أنَّ كون الإنسان بطبعه لا يستطيع العيش بمفرده ، أو بعيدا عن مجتمعه ، إلا إذا كان متخلفا عقليا أو مهووسا أو به جِنَّة ، وحتى الجيران ، لا يمكنهم أن يمضوا حياتهم بقطيعة مع جيرانهم ، أو متتبعين لأسرار جيرانهم ، لأن هذا من أسوأ الأخلاق .
وأما الوفاء في عرف البشر ، فهو خصلةٌ لا يمكن تجاهلها أو التخلي عنها ، والخلِّ الوفي قيل عنه بأنه من المستحيلات الثلاث (الغول والعنقاء والخِلِّ الوفيّ).

من هم المكلفون بالوفاء بالمعنى الحقيقي ؟ ، أنا أعتقد بأنه لا يعفى أي إنسان من هذه الخاصية ، بل يجب على كل صديق أو رفيق أو زميل أو أخ أو أخت أو ابن أو بنت أو زوج أو زوجة ، وحتى الجار أن يتخذ من الوفاء صفة ملازمة له .
كل الناس مطالبون ليكونوا أوفياء مخلصون شرفاء بما تعنيه هذه الكلمة من معان سامية ، وإن كانت المسألة نسبية إلا أنه لا يمكن الحكم على الناس بالمطلق بحكم واحد يشترك فيه الجميع ، وإنما تختلف الأحكام باختلاف النفسيات وتختلف المعاملة بين إنسان وآخر ، ولهذا نجد أن الوفاء إذا ما فقد من شخص معين ، أصابه عطب وخلل في صفاته ونفسه ومعاملته مع الآخرين ، ولا يمكن لأي منا أن يرضى عن شخص لا يحمل صفة الوفاء والإخلاص ، لأنه مع هذه الحالة لا يؤمن جانبه ولا يصدق ولا يعتمد عليه .
كل منا حينما يبني علاقاته مع الآخرين يطمح أن يكون بنيانه سليم وعلى أسس منطقية لا عيب فيها ولا اعوجاج ، وعليه أن يجعل بطبعه الوفاء في المقام الأول وأن يجعل قاعدة تلك الأسس صلبة لا تتزحزح ولا تتبدل ولا تتغير ، وإذا ما فرَّط الإنسان بهذه الخاصية ، يصبح من منظور الناس جميعا إنسانا فاقدا لأهليته وإنسانيته ، فيصبح موضع اتهام ، لا يمكن للآخرين أن يثقوا به أو يعتمدوا عليه ولا يؤمنون بعلاقات قد تربطهم بمن هم على شاكلته .
الصديق الحقيقي هو ذلك الإنسان الوفيّ الذي يقدم أسمى التضحيات بكل شجاعة وصبر في سبيل صديقه دون أن ينتظر منه أدنى ثمن ، ولا ينتظر منه حمدا ولا شكورا ، بل ويقدم له ما استطاع من دعم ومساندة وعون ، وأكثر من ذلك فهو أمين سرِّه ، وحامي ذماره في غيبته ، حافظا لعوراته ، ومدافعا عن حياضه ، مخلصا في عطائه له ، لا يسمح لأي كان بالاقتراب من حماه أو الاعتداء عليه .
هذا هو الصديق الحقيقي ، الذي يجب أن يجعل من تقوى الله عنوان حياة ، وسبيل إلى الله في كل خطواته ، وفي كل أفعاله ، ويقدم من أجل صديقه المستحيل ليحافظ على العلاقة الراقية بصورها الجميلة ، بكل الجوانب الإيجابية . 
ليست الصداقة التي تسود مجتمعاتنا في هذه الأيام كلها حميدة ، بل فإن الكثير منها يبدو ذميما ولا يمكن أن تكون مقبولة على علاتها ، أو كتلك الصداقات التي تتشكل بين مجموعات من الحمقى والجهلة ، الذين يجمعون على ارتكاب المعاصي والآثام والمحرمات ، وربما تعاطي المخدرات والمسكرات ، أو القيام بحماقات تتسبب في كثير من الأذى للآخرين.

إن من السلوكيات الخاطئة التي نراها في حياتنا اليومية ، بعض التصرفات التي قد يقوم بها شباب هم إلى الجهالة أقرب ، كاستخدام الشارع العام للهو والعبث وهم يقودون مركباتهم دون احترام للآخرين ، وإن من هذه الحماقات ، إغلاق الشوارع أو السرعة الجنونية في الأماكن المكتظة بالطلاب ، فمثل هؤلاء لا يمكن أن يكونوا بمستوى المسئولية ، ولا يمكن أن يكونوا موضع ثقة واحترام الناس ، بل وإن مثل هذا الصنف يفتقد لصفة الوفاء والصدق والأخلاق الفاضلة ، وإنّ من كان على هذه الشاكلة لا يمكن أن يكون أمينا على صديقه وفيا لمجتمعه ووطنه .
اليوم بكل أسف ، يعيش مجتمعنا على الهامش ، لا يهتم بقضية الصدق والوفاء ، وتبادل الاحترام بين الناس ، كل يعيش لنفسه ، بكل أنانية ، ويحرص كل الحرص على حرمان الآخرين من أي منفعة يمكن أن يستطيعها .
ليت الناس جميعهم يعلمون بأن الحياة إن لم تسودها المحبة والوفاء بين الناس فهي حياة خاسرة لا يمكن أن تستمر على هذه الصورة الذميمة ، وليت كل الناس يتقيدون بما تتطلبه الأخلاق الفاضلة من صفات الوفاء والصدق والاحترام .. 
أرجو الله أن يلهم هذا الجيل ، ويعلمه معنى الوفاء والصدق والالتزام ، هو ولينا في الدنيا والآخرة ، والله سبحانه وتعالى هو الهادي إلى سواء السبيل ....

عرض مزيد من التفاعلات

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

إعلانات