من هو الصديق الوفيّ ؟؟
نافذة على قلوب المحبين
بقلم الدكتور محمد القصاص
يصاب المرءُ بحيرة عظيمة ويغالبه التعب أحيانا حينما يمضي حياته باحثا عن صديق مخلص وفيٍّ في هذه الحياة ، وقد يتعرض خلال بحثه إلى ألف مصيبة وألف صدمة وألف عثرة وألف خيبة أمل .
الكثير منا يُحبط ويصاب بالدهشة ، حينما يتخذ صديقا من بني البشر ، يعيش معه على الحلوة والمرة ، ويدخره ليوم المصاعب والملمات ، فيعيش وإياه أسعدَ لحظات حياته ، وتتصدر أولويات البحث عن الصديق المخلص ، هو أن نجد صديقا عاقلا أمينا صادقا ، والغاية من اتخاذ صديق في الحياة ، كما هو معلوم للجميع ، ليس من أجل الإنفاق عليه أو إطعامه ، ولا من أجل أن ينال منه الأعطيات والهدايا والهبات ، ولكن الصديق في أغلب الأحيان يكون سترا لمعايب صديقه ومستودعا لأسرار صاحبه ، لا يمكن أن يفشي أسراره مهما كانت لأي أحد مهما كانت الأسباب .
قديما كان يقال في الأمثال : رُبَّ صديق لك لم تلده أمك . وهذه قد لا تجانب الحقيقة في كثير من الأحيان ، مع يقيني بأنَّ نِسبَ الوفاء تتفاوت في المجتمعات بين مجتمع وآخر ، وبين رجل ورجل ، وبين جيل وجيل ، وبين صديق وصديق ..
المهم في الأمر ، أنَّ كون الإنسان بطبعه لا يستطيع العيش بمفرده ، أو بعيدا عن مجتمعه ، إلا إذا كان متخلفا عقليا أو مهووسا أو به جِنَّة ، وحتى الجيران ، لا يمكنهم أن يمضوا حياتهم بقطيعة مع جيرانهم ، أو متتبعين لأسرار جيرانهم ، لأن هذا من أسوأ الأخلاق .
وأما الوفاء في عرف البشر ، فهو خصلةٌ لا يمكن تجاهلها أو التخلي عنها ، والخلِّ الوفي قيل عنه بأنه من المستحيلات الثلاث (الغول والعنقاء والخِلِّ الوفيّ).
من هم المكلفون بالوفاء بالمعنى الحقيقي ؟ ، أنا أعتقد بأنه لا يعفى أي إنسان من هذه الخاصية ، بل يجب على كل صديق أو رفيق أو زميل أو أخ أو أخت أو ابن أو بنت أو زوج أو زوجة ، وحتى الجار أن يتخذ من الوفاء صفة ملازمة له .
كل الناس مطالبون ليكونوا أوفياء مخلصون شرفاء بما تعنيه هذه الكلمة من معان سامية ، وإن كانت المسألة نسبية إلا أنه لا يمكن الحكم على الناس بالمطلق بحكم واحد يشترك فيه الجميع ، وإنما تختلف الأحكام باختلاف النفسيات وتختلف المعاملة بين إنسان وآخر ، ولهذا نجد أن الوفاء إذا ما فقد من شخص معين ، أصابه عطب وخلل في صفاته ونفسه ومعاملته مع الآخرين ، ولا يمكن لأي منا أن يرضى عن شخص لا يحمل صفة الوفاء والإخلاص ، لأنه مع هذه الحالة لا يؤمن جانبه ولا يصدق ولا يعتمد عليه .
كل منا حينما يبني علاقاته مع الآخرين يطمح أن يكون بنيانه سليم وعلى أسس منطقية لا عيب فيها ولا اعوجاج ، وعليه أن يجعل بطبعه الوفاء في المقام الأول وأن يجعل قاعدة تلك الأسس صلبة لا تتزحزح ولا تتبدل ولا تتغير ، وإذا ما فرَّط الإنسان بهذه الخاصية ، يصبح من منظور الناس جميعا إنسانا فاقدا لأهليته وإنسانيته ، فيصبح موضع اتهام ، لا يمكن للآخرين أن يثقوا به أو يعتمدوا عليه ولا يؤمنون بعلاقات قد تربطهم بمن هم على شاكلته .
الصديق الحقيقي هو ذلك الإنسان الوفيّ الذي يقدم أسمى التضحيات بكل شجاعة وصبر في سبيل صديقه دون أن ينتظر منه أدنى ثمن ، ولا ينتظر منه حمدا ولا شكورا ، بل ويقدم له ما استطاع من دعم ومساندة وعون ، وأكثر من ذلك فهو أمين سرِّه ، وحامي ذماره في غيبته ، حافظا لعوراته ، ومدافعا عن حياضه ، مخلصا في عطائه له ، لا يسمح لأي كان بالاقتراب من حماه أو الاعتداء عليه .
هذا هو الصديق الحقيقي ، الذي يجب أن يجعل من تقوى الله عنوان حياة ، وسبيل إلى الله في كل خطواته ، وفي كل أفعاله ، ويقدم من أجل صديقه المستحيل ليحافظ على العلاقة الراقية بصورها الجميلة ، بكل الجوانب الإيجابية .
ليست الصداقة التي تسود مجتمعاتنا في هذه الأيام كلها حميدة ، بل فإن الكثير منها يبدو ذميما ولا يمكن أن تكون مقبولة على علاتها ، أو كتلك الصداقات التي تتشكل بين مجموعات من الحمقى والجهلة ، الذين يجمعون على ارتكاب المعاصي والآثام والمحرمات ، وربما تعاطي المخدرات والمسكرات ، أو القيام بحماقات تتسبب في كثير من الأذى للآخرين.
إن من السلوكيات الخاطئة التي نراها في حياتنا اليومية ، بعض التصرفات التي قد يقوم بها شباب هم إلى الجهالة أقرب ، كاستخدام الشارع العام للهو والعبث وهم يقودون مركباتهم دون احترام للآخرين ، وإن من هذه الحماقات ، إغلاق الشوارع أو السرعة الجنونية في الأماكن المكتظة بالطلاب ، فمثل هؤلاء لا يمكن أن يكونوا بمستوى المسئولية ، ولا يمكن أن يكونوا موضع ثقة واحترام الناس ، بل وإن مثل هذا الصنف يفتقد لصفة الوفاء والصدق والأخلاق الفاضلة ، وإنّ من كان على هذه الشاكلة لا يمكن أن يكون أمينا على صديقه وفيا لمجتمعه ووطنه .
اليوم بكل أسف ، يعيش مجتمعنا على الهامش ، لا يهتم بقضية الصدق والوفاء ، وتبادل الاحترام بين الناس ، كل يعيش لنفسه ، بكل أنانية ، ويحرص كل الحرص على حرمان الآخرين من أي منفعة يمكن أن يستطيعها .
ليت الناس جميعهم يعلمون بأن الحياة إن لم تسودها المحبة والوفاء بين الناس فهي حياة خاسرة لا يمكن أن تستمر على هذه الصورة الذميمة ، وليت كل الناس يتقيدون بما تتطلبه الأخلاق الفاضلة من صفات الوفاء والصدق والاحترام ..
أرجو الله أن يلهم هذا الجيل ، ويعلمه معنى الوفاء والصدق والالتزام ، هو ولينا في الدنيا والآخرة ، والله سبحانه وتعالى هو الهادي إلى سواء السبيل ....
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق