2018/01/14

قصة قصيرة -- الكاتب والشاعر مصطفى بلقائد.

قصة قصيرة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قبل أن أدخل مكتبي،طلبت من سكرتيرتي أن لا يُزعجني أحد.فأنا لستُ في مزاج طيب.فقالت وقد لاحظتْ تجهم وجهي:
ـــــــــــ حتى ولو كان...
فأجبتها بصرامة:
ــــــــــــــ حتى ولو كان...
ولم أُنهِ تعبيري بحيث أني ابتلعتُ غضبي ودخلتُ المكتب وأغلقتُ الباب ورائي.في الحقيقة،كانت المشكلة حسَّاسة جدا.فهي تتعلق بحياتي الشخصية.
فأنا عندما تولَّيْتُ هذا المنصب،سرَّحتُ زوجتي لأنها لم تكن من وسط مناسب لمثل ما كنتُ مُقدِماً عليه من علاقات ومشاريع.فزوجتي الأولي كانت ساذجة وغبية ولا تعرف كيف تتواصل مع الآخرين.وكان عمّي الكولونيل هو من طلب مني تغيير زوجتي،ولم أستطع أن أرفض نصيحته لأنه عن طريق معارفه وصلتُ إلى المنصب الذي أشغله الآن.وبالطبع فعمِّي عرض عليَّ إبنته ففرحت بهذا الكرم؛بحيث كانت إبنته حاصلة على الماجستير وتستعد لأطروحة الدكتوراه.فهذه الشواهد هي ستكون بمثابة أوسمة على صدري في عيون الناس ولو أنني لم أتجاوز مستوى البكالوريا.فتم الطلاق وتم الزواج بابنة عمي.
قبل أن أصبح في ذلك المنصب،كنتُ أنتقل من عمل لآخر؛لكنني على الأقل كنتُ لا أجد أي مشكل مع زوجتي الأولى.فهي كانت دائما موجودة بالبيت حين أعود إليه.لكني بعد زواجي من إبنة عمي،بدأتُ أحس بفراغ كبير.فهي لم تكن تتواجد في المنزل إلا نادرا،ولم يكن يجمعنا في كثير من الأحيان إلا فترات زمنية وجيزة،لأنها دائما تعتذر بأعذار لا أستطيع معارضتها؛وحتى أنها كانت تقضي الليل دون أن أعرف أين.فوقعتُ في حيرة من أمري:فإن أنا فكرت في تطليقها فهذا يعني أنني سأفقد منصبي؛وإن أنا استمررتُ في نفس العلاقة فهذا يعني أنني متزوج من شبح.
وبالأمس فقط،فهمتُ لماذا أنا أقل فهمًا من الحمار.فعندما كنتُ عائداً إلى منزلي،لاحظتُ على بعد أمتار زوجتي تصعد إلى سيارتها وتغادر المكان.فوسوس لي الشيطان أن أتعقبها.فأخذت أتبعها بسيارتي من حيث تسير حتى توقفتْ أمام إحدى الفيلات.ولدهشتي كنتُ أعرف من يكون مالك تلك الفيلا.فنزلت زوجتي ودخلت إلى الفيلا.وبقيتُ أنا في أحد الزوايا أنتظر خروجها.ولما أبطأتْ،فكرتُ في العودة لكن وسواس الشيطان أمرني بالإنتظار هناك لمعرفة تتمة القصة.ولما تجاوزت الساعة منتصف الليل،فُتح باب الفيلا وخرجت زوجتي تترنح وتضحك بصفاقة وهي تتأبط ذراع مالك الفيلا.أحسست كأن شخصا طعنني بسكين في صدري.فتمالكت نفسي وغادرتُ المكان بعد أن غادرا هما كذلك إلى وجهة لا أعلمها.فعدتُ إلى البيت وأمضيتُ ليلة لم أمضها قط في حياتي السابقة.
وهذا الصباح،ذهبت إلى مكتبي وأنا على حرف من الإنفجار.وفي هذه الأثناء،فُتِح باب مكتبي وأطلت السكرتيرة بوجهها وهي تقول:
ــــــــــــ ولو كان إنه هنا ولا يحب الإنتظار...
فقفزتُ من مكاني غاضبا وقلتُ لها:
ـــــــــــ اَدخلي ولو كان...
وبعد برهة ظهر الوزير الذي أعمل تحت إمرته وهو يبتسم بخبث وابتذال،وقال قبل أن يأخذ مكانا:
ـــــــــــ لقد وضعتك في هذا المكان لتهتم بالأمور التي تضايقني لكنني أرى أنك قد أغلقت عليك الباب وسبحت في الأحلام.
فقلتُ له دون أن أخفض رأسي:
ــــــــــــــــ نعم!...ومتى سينتهي هذا الإستغلال؟...حتى تلد زوجتي ويصبح إبنك إبني؟
فتركته فاغرا فوهه وغادرتُ المكتب.لقد كان هو بالأمس برفقة زوجتي.
ومنذ ذلك اليوم لم أجب على اتصالات عمي أو إبنته،واسترجعتُ زوجتي القديمة وأنا اليوم أمارس مهنة بائع الخبز.لكن الحمد لله،دائما أعود للبيت وأجد زوجتي تنتظرني؛ولما أصبح لدي أبناء كنت مطمئنا بمعرفة أنهم من صُلبي.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الكاتب والشاعر مصطفى بلقائد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

إعلانات