2018/05/14

((( نداء خفي ))) شعر/د. رشيد هاشم الفرطوسي

((( نداء خفي )))

1
هل يسير الكون في درب الفنا 
أم يسير الكون في درب الخلودْ .؟
أمْ فناءٌ بَعده الخُلْدُ فهل يرتجي الخُلدُ فناءً يبتديهْ .؟
أوَ ما كان فناءً وابتدا لِمَ لا يبقى بحالٍ هو فيهْ
أين كُنّا كيف جئنا فغدونا في وجودٍ كنههُ ليس نعيهْ
ما القوانين التي تقتادُنا نحن لا نعلمُ شيئاً نهتديهْ

كُلُّها أسئلةٌ ليس لها من جوابٍ يا تُرى أين الجوابْ .؟
هل حدود الفكر فينا رَضِيَتْ بجوابٍ تائهٍ بين الضبابْ
فنداري العيبَ في إدراكنا ثُمَّ نرضى بالذي فيهِ نُعابْ
إنَّ سِرَّ الكون لا شكَّ به كلُّ سِرٍّ منه نرجو الإقترابْ

ليس بِدءُ الكون سرّاً غامضاً إنما السرُّ تُرى مِن أين جاء
ونقول الشيء موجود إذا ما تحسسنا فما معنى البقاء
كم أمور نحن لا ندركها باقيات موغلات في البقاء
إنما مقياسنا نحن لنا والمقاييس لها ما لا نشاء

ربما نجهل ما في أرضنا كيف ندري بالذي خلف النجوم
أي شيء آخر الأشياء هل هو بِدء الشي في رأي العلوم
والفضاء الواسع الأرجاء هل في انطواءٍ دائِمٍ أم لا يدوم
إنّ في "النسبيَّة"ِ العلم الذي ليس ينأى عنه ذو الفكر السليم
2
مَن يناديني بهذا الليل مَنْ ..؟ غارقٌ فكري وحولي ألفُ ظَنْ
مَن يناديني لكي أرحلَ عن منهجِ الناسِ وأقطار الزمنْ
بِنِداءٍ نابعٍ مِن منطِقٍ ثائرٍ في السرِّ مدحورِ العَلَنْ
ضَيِّقٍ في طُرُقِ الشكِّ لهُ طُرُقٌ أوسعُ في أقوى الفِطَنْ

وانفعالاتٌ وأفكارٌ بها لا أرى الكونَ كما كنتُ أراهْ
إنّما ينقَعِرُ الفِكْرُ على ما عليهِ اعتادَ أيّامَ صباهْ
ثُمَّ ينقادُ لما انقادَ له موكبُ الخَلْقِِ فتنزاحُ رؤاهْ
هكذا نحن وكم قد دُثِرَتْ فكرةٌ في الفِكْرِ مما قد جناهْ

ثُمَّ صرنا بجمودٍ شامِلٍ ليس نرضى أنْ نرى فيه جمودْ
ونسِينا كم نقاشٍ ثائرٍ غُلِقَتْ أبوابُهُ عِبرَ العُهودْ
أين كُنّا زمن الماضي السحيق
وأين الروحُ مِن محض الوجودْ .؟

أيها الساهِرُ مَلَّتكَ الرؤى أ عَشِقْتَ العُمْر في صَرح الخيالْ ؟
أتُرى تبغي اكتمالاً ما له في عقول الناس أشكال الكمالْ
عشْ كما عاش الورى إن لم تجد من يحب العيش في أعلى الجبالْ
لست تدري ربما أنت لدى جدل يرديك في بحر الجدالْ

أيها الساهر نم إنّ الورى نُوَّمٌ لم يعشقوا وقت السهرْ
أسروا الأرواح في أجسادهم وهمُ أسرى لناموس القدرْ
ما بأيديهمْ سوى أن يخضعوا لقوانين تناهت في الصغرْ

فقيودٌ قيَّدت أفكارهمْ وقيودٌ لانتقادات البشرْ
وكأنّي أقبس الأفكار من عالم خلف بحور من خيال
خارق الأوصاف مكنون به كل ما كان لدى الذات وزالْ
رائع المرقى سوى أنَّ له طرقاً صعب على الفكر تنالْ
إنما نحن على قمتنا حجر بين جبال وتلالْ

أيها الساهر قول ضائع هذه الدنيا وبدر ساطعُ
أنت من أنت؟ اندثارٌ مثل من ذهبوا إن أنت إلاّ طائعُ
أيها الساهرُ لا الفكرُ له من حدودٍ فهْوَ عنها راجعُ
منتهى الضعف إذا حَلَّ بهِ قَدَرٌ فهْو مَقُودٌ خاضعُ

أيها الساهر مَن يعرفُ مَن إنْ يجِدَّ الجد أو يقوى العَنَتْ
لا تُغَرَّرْ بكلامٍ عابرٍ فإذا ما نطق الحقُّ سَكَتْ
فالمعاني أوجَدَتها فِكَرٌ وأمورُ الغيبِ عنها اتَّسَعَتْ
لا يُداني كُنْهَها مُتَّسَعٌ في عقولٍ في مداها رُبِطَتْ

قَدَرُ الدنيا بأنْ ليس بها مَن يرى الكونَ بآلاف الوجوهْ
ليس في النُسكِ خُمودٌ إنما عَبَقُ الدين بعِلمٍ هو فيهْ
منهجٌ يمشي به الناسُ له ألفُ بابٍ واحدٌ همْ داخلوهْ
فكأنَّ الدين في أفكارهمْ مسلك يُفضي لما هم يشتهوهْ

كلُّ شيءٍ لو تفكَّرنا به لَوَجدناهُ تعابيراً غريبةْ
ربما ينطقُ في كيفِيَّةٍ ما لنا من لغةٍ منها قريبةْ
إنْ عَجِبْنا مِنْ أُمورٍ عَجَبٍ فحياةٌ نحن فيها لَعَجيبةْ 
فسلكنا سُبُلاً ما اشتَمَلَتْ دِقَّةَ الدنيا بآفاقٍ رحيبةْ

إِذْ مَشينا خلفَ مَن قد سَلَفوا وعرَفنا بعضَ ما قد عرَفوا
وتَبعناهم بِعاداتِهمُ ما لدينا مَنهَجٌ مُختلِفُ
ما لدينا من جَديدٍ في الرؤى بلْ تَبِعنا فكرَ ما قد خلَّفوا
وعلى ذاكَ يسيرُ الناسُ ما مِن جريءٍ للرؤى يَنتَصفُ
3
تَحكمُ الناسَ مجاهيلٌ لها سَلَّمَ الناسُ ولم يستفسروا
أتُرى ما الروحُ ما حَلَّ بمن ماتَ حتّى ما لديهِ أثَرُ
ما الذي سوف يلاقي كونُنا لِيقومَ العُدْمُ ... هذا البَشَرُ
أتُرى ما ذلك النفثُ الذي يبعثُ الروحَ بمن قد قُبِروا

أمْ نظامٌ ثابتٌ مبتعدٌ عن قوانينَ بها نحن نسيرْ
ليس فيما بيننا من شَبَهٍ في ابتداءٍ ومسيرٍ ومصيرْ
عبثاً ينقادُ مَن يقتادُنا لأُمورٍ شأنُها الشأنُ الحقيرْ

عَلَّنا نفقهُ ما نحن بهِ من وجودٍ نحن لا نعرفهُ
فقد اعتدنا على ظاهِرِهِ فنجاريهِ ولا نكشِفُهُ
نألَفُ الدهرَ على أحوالِهِ لانعاديهِ ولا نسعِفُهُ
بكلامٍ قَلَّ من يعرفُهُ وحديثٍ فوقَ ما نألَفُهُ

فحديثٌ قُنِصَتْ أفكارُهُ من كلام الغيب أو عمق الضميرْ
كُلَّما حدَّثتُ نفسي لا أرى من حدودٍ لاكتئابٍ وسرورْ
فكأنَّ الكونَ في آخِرِهِ كُلُّهُ نحو سكونٍ ودُثورْ
كلُّ شيءٍ فيه معنىً زائلٌ ليس شيءٌ يحمل المعنى الكبيرْ

كلُّ شيءٍ سنراهُ فوقَ ما قد ألِفناهُ بتفكيرٍ جديدْ
ربَّما يبدو لنا مختلفٌ إنْ تفكَّرنا به لا كالجدودْ
لِمَ لا نخرجُ عن مسلكهِمْ لِمَ لا نتَّهِمُ الفِكْرَ السديدْ
إنَّما نحيا سنيناً قَصُرَتْ كيف يحوي الدهرَ ذا الفكرُ الوليدْ

عَجَباً نستشعرُ الناسَ ولا نرتضي عيشَهُمُ فيما نراهْ
هُمْ مساكينٌ بما لَمْ يعرفوا كُلُّهُمْ يسعى على قدر مناهْ
وعلى ذاكَ نظامُ الأرضِ في مَعْزِلٍ عن منهجِ الكونِ رؤاهْ
غير أنَّ العالَمَ العُلوي بهِ يتسامى دون حدٍّ منتهاهْ

يتجلّى رحمةً ليس لها طُرُقٌ للظُلْمِ والشكِّ الكثيرْ
عالَمٌ في كلِّ ذاتٍ رغبةٌ للقوانين التي فيها يسيرْ 
غير أنَّ العيشَ فيه مُطلَقٌ لانبعاث الروح والوعد الأخيرْ
فقيودٌ نحن فيها دونهُ شغلتنا عنهُ بالأمر الصغيرْ

كيف يسري نحو أفكاريْ النَظَرْ 
وبها ذكرى لآلاف الصُوَرْ 
نحنُ لا نعرف كيف اتَّفَقَتْ موجةُ الضوءِ وأعماقِ الفِكَرْ 
نحن في تكويننا أعقدُ من أنْ ينالَ الفِكْرُ مِنّا مُستَقَرْ 
أ فَهل أعظمُ من أنظِمةٍ كلُّ طولٍ قربها فيهِ قِصَرْ

أيُّ كونٍ نحنُ فيهِ ما لنا لَمْ نجدْ حتّى سبيلاً لِحوارِهْ 
هل لنا عقلٌ لكي يُرشدَنا أنَّ للروح سبيلاً في مسارِهْ
إن يكُنْ من عِظَمٍ مقتدراً كيف نغدو فوقَ آفاقِ اقتدارِهْ .؟
فتعالى الملك الحقُ الذي جعل الكون دليلاً لِاعتبارِهْ

إنْ يشأْ ما انفتحَ الكونُ لنا كي نرى آياتِ خلاّقٍ عظيمْ
بوجودٍ يهتدي الفِكْرُ بهِ أنّهُ من حِكَمِ الله الحكيمْ 
لو عرفنا شأننا لَانتَفَضَتْ رقَّةُ التقديسِ في الفِكْرِ السليمْ
وتركنا سُبُلَ الشكِّ بربٍّ لنا أيِّ رحيمٍ وكريمْ

ذلك الرحمن أعلى قِيَماً ذلك الملجأُ عمّا لا نُطيقْ
مَن ترانا كي نُداري فِكَراً ضَيِّقاتٍ عن وجودٍ لا يضيقْ
فمن الأجدَرِ إنْ لَمْ نستَطِعْ رؤيةَ الغيبِ نرى الماضي السحيقْ
أو نَرى في الأمس ما يُرشِدُنا عن غدٍ إنْ كانَ مِن بعضِ الطريقْ

ليس يرضى الله بالجهلِ وقد وَهَبَ اللهُ لنا الفِكْرَ الوجيهْ 
فمِن الأجْدَرِ أنْ لا نقتفي غيرَ هديِ الله فيما نقتفيهْ 
كُلُّ شيءٍ كائنٌ في حُكمِهِ لا يعي من لا يرى ما هو فيهْ 
كُلُّ حَقٍّ دونهُ مندَحِرٌ كُلُّ دربٍ دونهُ فيهِ نتيهْ

--
شعر/د. رشيد هاشم الفرطوسي
صنعاء-20/2/2000

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

إعلانات